حكمة سعودية تبهر العالم

حكمة سعودية تبهر العالم

بتأييد واسع، وإشادة منقطعة النظير، قابلت جموع المسلمين في شتى أنحاء العالم القرار الذي أصدرته السلطات السعودية باقتصار الحج لهذا العام على المقيمين داخل السعودية من الجنسيات كافة، وبأعداد محدودة جدًّا، كإجراء احترازي مهم لتطويق انتشار مرض كورونا (كوفيد 19)، وهو القرار الذي يشير بوضوح إلى مقدار الحكمة العالية التي تتمتع بها قيادة هذه البلاد المباركة، والرغبة الأكيدة في حفظ أرواح المسلمين، وعدم تعريض حياتهم للخطر، وتحقيق مقاصد الشريعة في حفظ الضرورات الخمس؛ وهو ما دفع المؤسسات العلمية ودور الفتوى في الدول الإسلامية كافة للتباري في إعلان تأييدها المطلق لهذا القرار.

هذا القرار الحكيم يتسق تمامًا مع الإجراءات الصارمة التي اتخذتها القيادة السعودية منذ ظهور الجائحة قبل نحو ثلاثة أشهر؛ فقد أكدت تلك الإجراءات أن السعودية اختارت صيانة حياة مواطنيها والمقيمين على أرضها وزوارها من المعتمرين وقاصدي الحرمين الشريفين، وجعلت ذلك هدفًا، يُمنح الأولوية على ما عداه من مكاسب اقتصادية أو تجارية؛ لذلك لم تتوانَ السلطات السعودية في تعليق العمرة وزيارة الحرمين الشريفين للمساعدة في السيطرة على المرض، ومنع انتشاره.

وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي تحققه السعودية بصفة مستمرة في مواجهة الفيروس إلا أن احتمال حدوث موجة ثانية من العدوى، قد تكون أكثر فتكًا من سابقتها، يبقى قائمًا بقوة. كما أن التأرجح في حالات انتشار الفيروس في معظم دول العالم دفع القيادة السعودية لاتخاذ قرارها الشجاع باقتصار الحج هذا العام على المقيمين بالداخل خوفًا من انتشار العدوى ووصولها إلى معدلات يصعب السيطرة عليها مستقبلاً، ولاسيما أن حجاج بيت الله الحرام يأتون من أصقاع الأرض كافة، ولا تكاد تخلو دولة من الدول من أن يكون من بين رعاياها أعداد من الحجيج.

هذا القرار يعكس العديد من الثوابت التي تتمسك بها السعودية، وفي مقدمتها أن حفظ أرواح الناس هو الغاية الأولى والهدف الأسمى الذي لا يمكن المخاطرة به، مهما كانت الأسباب. كذلك فإن القيادة السعودية اختارت عدم إلغاء موسم الحج، وإقامته بأعداد محدودة جدًّا، رغم أنه من الصعوبة تحقيق الإجراءات الوقائية التي من أهمها التباعد الاجتماعي، ولاسيما مع وجود أعداد كبيرة من الحجاج الذين يؤدون مناسكهم في الوقت ذاته، وفي الأماكن نفسها، إلا أن ما تمتلكه بلادنا -بحمد الله- من خبرات تراكمية كبيرة في طرق إدارة الحشود، إضافة إلى الإمكانات الطبية الكبيرة والمرافق العلاجية المتوافرة في المشاعر المقدسة، يجعلها تمتلك القدرة -بإذن الله- على مواجهة أي تطورات قد تحدث.

ومن الضروري التشديد على حقيقة راسخة، هي أن الخدمات التي ظلت تقدمها السعودية خلال السنوات الماضية للملايين من ضيوف الرحمن ستبقى كما هي عليه دون تغيير حتى مع تقليل الأعداد بنسبة كبيرة؛ فرجال الأمن سوف ينتشرون في كل المشاعر المقدسة والطرق المؤدية للحرم المكي الشريف، وكذلك سوف يرابط العاملون في المجال الصحي، ويكونون على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدة الطبية لمن يحتاج إليها، وسوف تصدح أصوات الحجاج في المشاعر بالتلبية والتكبير، وسترتفع أصواتهم بالدعاء إلى الله والابتهال إليه بأن يرفع هذا الوباء، ويكتب السلامة للإنسانية جمعاء.

هناك جانب آخر، لا ينبغي إغفاله وتجاهله، هو أن عدم قدوم حجاج من الخارج هذا العام يمنح الفرصة لمؤسسات الطوافة لمراجعة سير أدائها خلال السنوات الماضية، والعمل على تجويد وترقية خدماتها، والتفكير في كيفية استيعاب الأعداد المتزايدة سنويًّا من الحجيج، ولاسيما إذا أخذنا في الاعتبار عدم إمكانية التوسعة الأفقية للمشاعر المقدسة؛ لأنها محدودة بنطاق جغرافي معين. ويبدو في هذا الإطار أنه من الضرورة الملحة البدء فعليًّا في دراسة كيفية تحقيق التوسع الرأسي، وإنشاء مبانٍ متعددة الطوابق لاستيعاب الحجاج.

حتمًا سيعود ضيوف الرحمن في العام المقبل للأراضي المقدسة، وسيجدون من التسهيلات والإضافات ما يمكِّنهم من أداء مناسكهم بيسر وسهولة، وسيرى الذين أدوا الفريضة خلال الأعوام الماضية مزيدًا من التحسين والتطوير، وستظل هذه المهمة المقدسة هدفًا رئيسيًّا للقيادة السعودية الحكيمة قيامًا بما شرفها الله به من خدمة ضيوفه والسهر على راحتهم، وسيفتح لهم أبناء هذه البلاد قلوبهم قبل أبوابهم تحقيقًا للشعار المحبب الذي رفعوه، ويفتخرون به (خدمة الحاج شرف لنا).

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org