وعول بلجرشي.. مَن المسؤول عن هذا المشهد؟ "سبق" تنشر القصة كاملة

المتابعون والمتخصصون تتباين وجهات نظرهم.. والإعلام في قفص الاتهام
وعول بلجرشي.. مَن المسؤول عن هذا المشهد؟ "سبق" تنشر القصة كاملة
تم النشر في

سادت حالة من الابتهاج الكبير والاحتفال بإطلاق عدد 20 من الوعول البرية في المتنزه الوطني "الشكران" في محافظة بلجرشي، مطلع الأسبوع الحالي، في ظل اهتمام مباشر ودعم من أمير منطقة الباحة، ووكيل الإمارة.

وكانت فرحة المواطن والسائح كبيرة برؤية الوعول البرية في المتنزه والشارع وقد يجدها في قريته أو جوار منزله؛ ما يبشّر بأننا نسير قُدماً نحو مستهدفات المملكة الخضراء.

وتوعدت إمارة منطقة الباحة، عبر بيانٍ لها، جميع العابثين بمقدّرات الحياة الفطرية بالملاحقة والعقاب الرادع، كما حذّرت وبشدة من الصيد الجائر والقتل المتعمّد للحيوانات النادرة والمهدّدة بالانقراض التي تبذل الدولة جهوداً كبيرة في إعادة توطينها والعمل على تكاثرها، معرّضين أنفسهم للمساءلة القانونية والعقاب الرادع والغرامات المقررة.

وصرّح المتحدث الإعلامي لشرطة منطقة الباحة، بأنه إشارة إلى مقطع الفيديو المتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويظهر فيه قيام ثلاثة أشخاص باصطياد وعل جبلي بمحافظة بلجرشي، وتصوير ذلك ونشره، فقد أسفرت المتابعة الأمنية عن القبض عليهم، وهم مواطنان ومقيم من الجنسية الأفغانية، في العقد الثاني من العمر، وإعادة الوعل الجبلي إلى فرع وزارة البيئة والزراعة والمياه بالمنطقة، وتمّ توقيفهم واُتخذت بحقهم الإجراءات النظامية، وإحالتهم إلى فرع النيابة العامة.

وانتشرت عدة مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي وصفحات الصحف والقنوات الفضائية للوعول في الطرقات والأزقة وهرب من الكلاب ودخول منازل ومزارع وربما مقابر والسقوط في حفريات عميقة والبقاء عالقة واصطياد أحدها وتدخل الجهات الأمنية للقبض وتحرير الوعل وموت بعضها إجهاداً، ولم تسلم تلك الوعول البرية من الشائعات وتمّ التركيز على مقاطع الفيديو التي نُسبت كذباً لوعول بلجرشي وهي تُسلخ.

وكان عدد من الرسامين الكاريكاتوريين حاضرين في المشهد، إضافة إلى القنوات الإخبارية الرسمية التي تساءلت في تقريرها عن سر إطلاقها في منطقة مأهولة بالسكان، مبينةً ان تكلفة الوعل الواحد منذ ولادته حتى إطلاقه تراوح بين 22 ألفاً و50 ألف ريال.

واختلفت وجهات نظر المواطنين والإعلاميين عن مناسبة موقع الإطلاق من عدمه، فأكّد فريق عدم ملاءمة الموقع مقترحين وضع شبوك في منطقة معينة، ربما أحد الجبال، حتى تتكاثر وتتعرّف وتتعوّد على الجبال ثم تُطلق، فيما اتهم آخرون المركز بإطلاقها دون دراسة.

وقال المنتقدون: تربت الوعول الحالية داخل أماكن مهيّأ لها كامل الأكل والشرب والعلاج، ثم أصبحت فجأة وسط الأودية وبين البيوت، وقد لا تجد حتى الماء وهم بذلك فأجاوا الوعول والإنسان بذلك دون إعلان مكثّف وتهيئة قبلية، ويُفترض أن تكون هناك تجربة على عدد قليل من الوعول ليستكشفوا ما تؤول إليه التجربة وبعدها يطلقون الـ 20 الباقية، فالموقع غير مناسب لوجود المتنزه وسط الأحياء السكنية، ولو تمّ توزيع إطلاقها ما بين السراة وتهامة كانت الفائدة المرجوة قد تحققت.

وتساءل آخرون: لماذا رغدان او المتنزه الوطني لجميع الفعاليات؟ بينما منطقة الباحة غابة غنّاء في جميع قراها وجبالها وسهولها لو استغلت مواقع أخرى ذات طبيعة بكر لكان هو الأنجع والمحقق لهدف المركز والقيادة.

أما وجهة النظر المقابلة التي تتفق مع رؤية "الحياة الفطرية"، فتقوم على فكرة أن الموقع مناسب وغير محاط بالمساكن، كما أن خروجها كان من الباب الرئيس وعلى مرأى من الجميع ، كما أن المسؤولين عنها هم مَن اختار المكان والوعول قبل ٥٠ سنة كانت في الجبال ببلجرشي والأبناء ووادي الخيطان وجبال حواله، وحسب البيان فالمكان مهيّأ والنقوش الأثرية المؤكّدة تملأ المحافظة والمنطقة عموماً، موضحين كذلك أن صداقة الانسان مع هذه الوعول هي الأساس لنجاح المشروع، مراهنين على وعي إنسان الباحة، وهو قطعاً أهلٌ لهذا الرهان.

وحمّل آخرون الاعلام النصيب الأكبر من المسؤولية بقولهم: مع الأسف يمارس الإعلام دور السخرية ودور جلد الذات وتجده يمارس دوراً استخباراتياً لا يخصّه أبداً.

وطرحت "سبق"، التساؤلات على مستشار الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية ومشرف مراكز الأبحاث والإكثار وبرنامج إعادة التوطين أحمد البوق.

وقال "البوق": إطلاق الحيوانات الفطرية في المتنزهات الوطنية أهدافه تتركز على رفع مستوى الوعي البيئي والمشاركة المجتمعية ورفع جاذبية المتنزهات، ولوقوعها في الممرات الآمنة بين المناطق المحمية والبرية الطبيعية لهذه الأنواع.. الربط بين المناطق المحمية عبر الممرات الآمنة التي يقع فيها معظم المتنزهات الوطنية جزءٌ أساسي في شبكة المناطق المحمية واستدامة الأنواع المعاد توطينها فيها.

وأضاف: هناك ممارسات خاطئة من بعض مرتادي المتنزه بعد إطلاق الوعول أهمها كثرة المضايقات لتصويرها وكثافة الزوّار في الفترة الصيفية؛ ما دفعها إلى الخروج من المتنزه، ولو توقف الأمر على ذلك لتوجهت للمناطق الجبلية المحيطة، لكن مطاردتها أدّت إلى إنهاكها ونفوق واصطياد بعضها.

وأردف: مشروع الإطلاق في المتنزهات ليس بديلاً عن إعادة التوطين في المحميات ولكنه يتكامل معه، وتم تنفيذ عديد من الإطلاقات الناجحة في متنزهات عديدة، مثل: متنزهات الغاط والجرعاء ومرات في منطقة الرياض، ومتنزهات الجرة والمسقي- الأمير سلطان في منطقة عسير، وحقق بعضها نجاحات كبيرة في التكاثر الطبيعي.

وتابع: البرنامج سيقوّم الأخطاء والمشكلات الحاصلة وسيتم إنشاء مسيج بمواصفات خاصة داخل المتنزه وتثبيت كاميرات مراقبة وستعاد الوعول مرة أخرى إلى المسيج ليكون نواة لإعادة توطينها في المناطق الجبلية الطبيعية في منطقة الباحة.

حجم الاهتمام الذي حظي به إطلاق الوعول من المواطنين في أثناء الإطلاق كان كبيراً، والاهتمام الأكبر لمتابعة تداعيات ما حصل يثبت أن الحياة الفطرية في أعلى أولويات الجهات المعنية، وكثير من الناس.

منطقة الباحة تتمتع بتميز فريد في بيئاتها وتنوّعها الأحيائي ولسكانها اهتمامٌ كبيرٌ بذلك، ومن الطبيعي أن تشاهد الحياة الفطرية في بعض الأحيان حول الطرق أو تقطعها في أثناء تنقلها في مناطقها الطبيعية.

وقال "البوق": ينسق المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية مع وزارة النقل لتثبيت لوحات إرشادية تحذيرية لمناطق عبور الحيوانات الفطرية للطرق، وبتوجيه من أمير منطقة الباحة يعمل حالياً فريق مشترك من عديد من الجهات الحكومية والجمعيات البيئية والمواطنين لإنشاء مسيج بمواصفات خاصة داخل متنزه الشكران، ليعاد إطلاق الوعول فيه ويتحوّل مستقبلاً لنقطة انطلاق لاستعادتها في جبال منطقة الباحة لإعادة تأهيل البيئات الطبيعية المتضررة واستعادة التوازن والاستدامة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة ٢٠٣٠ ومستهدفات مبادرة المملكة الخضراء.

من جهته، قال حمزة الغامدي عضو مجلس الإدارة والمتحدث الرسمي لجمعية "رحمة" للرفق بالحيوان، إن المسؤولية تقع على "الحياة الفطرية" عندما شاهدت إطلاق الوعول في المتنزه الوطني ببلجرشي، حيث ظننت أن الهدف من ذلك هو جعلها تعيش وتتعايش مع مرتادي المتنزه داخل حدوده المغلقة والمسورة.

وأضاف لـ"سبق": راقت لي الفكرة واستحسنتها لما تحمل هذه الفكرة من توعية وتثقيف وترفيه للزوار، وربط الثقافة البيئية والفطرية بالترفيه للأجيال الحالية والقادمة.

وأردف: لكن عندما خرجت الوعول وقرأت تصريحات رسمية تفيد بأن خروجها من المتنزه طبيعي ومخطط له هنا شعرت بالارتباك.. فكيف يطلق سراحها بين القرى والمزارع والأحياء؟.. ولماذا لا تحتوي على شرائح تحدّد موقعها؟

وتابع: هناك استفهامات عديدة لم أجد شفافية في التصريحات والتعليقات التي وردت من الجهات المعنية، خصوصاً الحياة الفطرية التي أحمّلها المسؤولية كاملة؛ كونها الجهة المختصّة في هذا الأمر.

وقال "الغامدي": في رأيي كان يجب ان تؤهل خمسة من الوعول في المتنزه الوطني ببلجرشي مسبقاً حتى تعتاد الموقع والبيئة لعدة أسابيع ودراسة سلوكها والمعوقات التي تواجهها حتى تتعرف على النباتات المحلية والأشجار والمواقع الآمنة، ومصدر المياه في المتنزه، ثم بعد ذلك يتم إطلاق باقي الوعول بشكل رسمي بعد فهم واستيعاب كل السيناريوهات التي واجهتها تلك الوعول الخمسة، فالوعول الخمسة ستكون هي المرشدة لباقي الوعول الجديدة.

وأضاف: كان يجب إغلاق كل المنافذ والأسوار التي يمكن للوعول الخروج منها، وحصرها داخل المتنزه تماماً، كما يجب على الأمانة تشديد الرقابة على رواد المتنزه فيما يخص رمي المخلفات وإطعام الوعول حتى لا تتعرّض الوعول للإيذاء بسبب مخلفات الطعام والبلاستك وغيرها.

وأردف: المجال هنا لا يسمح لذكر الخطة الشاملة ونحن في جمعية رحمة للرفق بالحيوان مستعدون للتعاون وتقديم المشورة والمشاركة في إعداد برنامج متكامل لمثل هذه المشاريع الوطنية الهادفة، ولنا تجارب سابقة في إعادة تأهيل عديد من الحيوانات.

وتابع: أما في حال كان الهدف بأن يُطلق سراحها في جبال المنطقة، فلا نرى أن ذلك سينجح الآن بسبب ضعف التأهيل للوعول التي لا تعرف هذه البيئة الجديدة عليها.

وقال "الغامدي": طريقة الإطلاق الفردية التي تجعل كل وعل يرتبك ويهرب دون تركيز لعدم وجود وعول أخرى يلجأ إليها، وقرب الشارع الرئيس والسيارات منها وإحاطة المتنزهين بها ووجودها في وسط المدينة والمزارع، والأهم من ذلك كله عدم معرفتها بجغرافية المنطقة، فهي لا تعلم من أين تشرب المياه، ولا تعلم أين باقي أفراد القطيع ولا تعلم كيف تلتقيها.

وأضاف: الوعول عادة إذا افترقت عن رفاقها تلتقيها عند مصدر المياه وتنضم إليها من جديد، كما أنها لا تعرف أعداءها من الحيوانات المفترسة في هذه البيئة المفتوحة، ولجوئها لأطراف المدينة يجعلها عرضة للافتراس من قِبل الضباع والذئاب حتى من الكلاب والقرود.

وأردف: في المقابل؛ هي لا تعرف أصدقاءها من الحيوانات المحلية التي تتنقل برفقتها وتحتمي بوجودها، مثل الحمير التي تعد منبهاً مهماً عند اقتراب الخطر سواء في الليل أو في النهار.

وتابع: اعتادت الجهات الفطرية في حال تأهيل حيوان لإطلاق سراحه، أن يتم تعريفه على الحيوانات الصديقة له في بيئته، وأن يتم إطلاقه بالقرب منه حتى يشعر بالألفة ويتقبّل البيئة الجديدة بسهولة أكبر.

وقال "الغامدي": أخيراً يجب تحديد الهدف الحالي والهدف الإستراتيجي لتصميم الخطة التأهيلية، فهذه الحيوانات تبقى حيوانات فطرية ولها سلوكيات خاصة بها تتأثر بشكل كبير بالبيئة المحيطة، وتستحق التخطيط الدقيق وإشراك الباحثين والمختصين والمهتمين في ذلك، والتأني قبل التنفيذ.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org