كشف تقرير بحثي قدمته الباحثة المشاركة في مركز الملك فيصل للبحوث منى العلمي، أبعاد الصفقة التي جرت بين "حزب الله" اللبناني وتنظيم "داعش" الإرهابيين، في أعقاب شنّ الجيش اللبناني عملية عسكرية في 19 أغسطس الماضي ضد جيب "داعش" الأخير في الشمال الشرقي للحدود مع سوريا، وإعلان "حزب الله" الاعتداء على مسلحين من الجانب السوري من الحدود في هجوم استمر أسبوعاً، وقضت الصفقة بالخروج السريع لمقاتلي "داعش" في حافلات مكيفة الهواء إلى غرب سوريا، بالقرب من الحدود العراقية.
اتفاق مثير للجدل
وأوضح البحث الذي قدمته "العلمي" ضمن دورية "تعليقات" من إصدار مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، تحت عنوان: "حرب حزب الله على داعش في لبنان.. مكافحة الإرهاب على نفقة الدولة"، أنه تم التوصل إلى هذا الاتفاق المثير للجدل في نهاية أغسطس 2017م، مما سمح بنقل بقايا المجموعة الإرهابية، التي كان الجيش اللبناني يحاصرها بعد أيام من المعركة، من شرق لبنان إلى غرب سوريا، مشيراً إلى أن الدعاية التي أعقبت هذه الصفقة المفاجئة عكست المخاوف المزدوجة لـ"حزب الله" على المستوى المحلي؛ رغبة في إخماد أي معارضة داخل قاعدته الشعبية بشأن مبرر الاتفاق، والحفاظ على الرواية القائلة بأنها أقوى قوة عسكرية ومضادة للإرهاب في لبنان، وأيضاً التقليل من نجاح القوات المسلحة اللبنانية كقوة عسكرية شرعية في البلاد والمنافس لـ"حزب الله" على المدى الطويل.
تبرير "حزب الله"
ورصد البحث تبرير "حزب الله" قيامه بهذه الصفقة بالقول إنه أراد تحديد مصير الجنود اللبنانيين التسعة المتبقين الذين يحتجزهم "داعش" منذ عام 2014م، والذين كانوا في منطقة الحدود الجبلية الوعرة، موضحاً أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ندد بصفقة "حزب الله" مع "داعش"، وكذلك حلفاء "حزب الله" مثل حركة الصدريين العراقيين، وأكد أن ما أثار الدهشة المواقف السابقة المتداخلة لـ"حزب الله" بشأن التفاوض مع هذه الجماعة الإرهابية، فسياسة "حزب الله" من الصفقة مع "داعش" تقف في تناقض صارخ مع المواقف السابقة التي اعتمدها أعضاؤه.
ضمانة رحيل الإرهابيين
وأبان التقرير البحثي أن "حزب الله" شيطن "داعش" على مدى السنوات الخمس الماضية، وفي النهاية سمح له بالهروب من العدالة، ففي عام 2016م وعلى لسان أمينه العام حسن نصر الله اتهم الولايات المتحدة بالتخطيط للسماح لتنظيم "داعش" بالانسحاب إلى سوريا من العراق، وفي 2014م أدان عضو مجلس النواب في "حزب الله" محمد رعد تفاوض لبنان مع "داعش" وإجراء صفقات مع الإرهابيين، في أعقاب اختطاف 30 جندياً لبنانياً من بينهم تسعة قُتلوا على يد "داعش"، كاشفاً تناقض مواقف "حزب الله"، حيث اتهم في عام 2017م الولايات المتحدة بتعريض حياة الناس للخطر من خلال تعقب قافلة "داعش" في سوريا، وقوبل هذا التناقض بالانتقاد من قبل عائلات الجنود القتلى الذين اتهموا "حزب الله" بضمان رحيل الإرهابيين.
الصفقة أثارت الغضب
وذكر أن الحملة الإعلامية الواسعة التي قام بها "حزب الله" لتبرير تفاوضه مع تنظيم "داعش"، لم تنجح مع الفصائل والأحزاب اللبنانية الأخرى، والذين أثارت الصفقة غضبهم، فيما نجحت مع أنصاره فقط حيث أقنعتهم بأن الحزب كانت أولويته استرداد جثث شهداء الجيش اللبناني.
الجدير بالذكر أن دورية "تعليقات" التي يصدرها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية عبارة عن مقال يُنشر إلكترونياً فقط باللغتين العربية والإنجليزية، ويقدّم تحليلات معمّقة مختصرة تركّز في أحد الأحداث السياسية، ويتميّز بأنه يواكب القضايا الراهنة وهي ما زالت في ذروة تناولها.