هبَّت عاصفة تغيير المدربين هذا الموسم باكرًا في دورينا؛ إذ لم تكد تمضي جولتان على انطلاق صفارة بداية الموسم الكروي حتى بدأ مسلسل التغيير في مقعد المدير الفني لأندية الدوري السعودي بالانطلاق.
الظاهرة تحوَّلت لأمر مألوف
ولم تكن هذه الإقالات سوى البداية لموسم حافل بالتغيير؛ كون كل الفرق تبحث عن تقديم أوراق اعتمادها في البطولة لتحقيق أهدافها المرسومة قبل انطلاق صفارة البداية؛ إذ شهدت المسابقة بعد نهاية الجولة الخامسة إقالة رابع مدربي فِرق البطولة على الرغم من أن المرحلة الرابعة من الدوري السعودي لكرة القدم لم تكتمل بعد؛ إذ ما زال فيها مباراتان مؤجلتان إلى موعد لاحق.
ظاهرة إقالة المدربين مستمرة في أنديتنا، ومرشَّحة للزيادة؛ ما يجعل الأمر طبيعيًّا، كما أنه أضحى مألوفًا أن يشرف على الفريق أكثر من مدرب في الموسم الواحد حسب النظرة العامة جماهيريًّا وإداريًّا وإعلاميًّا، وأصبح المدرب الخيار الأول للتضحية به؛ لأن ذلك أسهل وسيلة لإرضاء الجماهير، واحتواء غضبهم.
ولم تمضِ على انطلاقة الدوري سوى خمس مراحل إلا أن الأندية دخلت في سباق لإقالة مدربيها؛ فكان ضحايا هذا السباق أربعة مدربين، بمعدل مدرب تقريبًا مع نهاية كل مرحلة! وحسب رقم ضحايا الإقالات لن يتوقف عند هذا الحد، بل سيزداد مع مرور مراحل الدوري. ويأتي في مقدمة هؤلاء المدربون الذين أصبح حبل الإقالة يلتف حولهم كالبرازيلي شاموسكا مدرب الشباب، والألباني بينسيك هاسي مدرب الأهلي، والمدرب السلوفيني مارتن سيفيلا.
وباتت إقالة المدربين في تاريخ الكرة المستديرة السعودية هي اللغة السائدة في الأندية، بل أصبحت في أيامنا مصيرًا حتميًّا يواجه المدرب مهما كانت سمعته في عالم التدريب. والغالب أن ساعة حزم الحقائب تدق عقب أي خسارة غير متوقعة.
وأصبحت هذه الظاهرة مألوفة في ملاعبنا؛ فلا تكاد تجد ناديًا واحدًا يحتفظ بمدربه موسمًا كاملاً، وبات تسريح المدرب أو تغيير الجهاز الفني في أكثر من مرحلة بالدوري هو أول علاج يلجأ إليه رؤساء النوادي في مواجهة أي صعوبة تعترضهم مهما كان نوعها أو سببها الفعلي.
قصة بداية مسلسل الإقالات هذا الموسم
بدأ مسلسل إقالات المدربين هذا الموسم من ناديَي التعاون والاتحاد اللذين قررا الاستغناء عن خدمات مدربَيْهما بعد انقضاء الجولة الثانية؛ إذ قررت إدارة الاتحاد إقالة البرازيلي فابيو كاريلي بعد خسارة الفريق نهائي البطولة العربية من الرجاء المغربي، إضافة لتعثر الفريق دوريًّا أمام نادي الفيحاء في الجولة الأولى.
وأصبحت الإطاحة بالمدرب الإنجليزي نيستور إل مايستر من نادي التعاون ثاني حالة إقالة في الدوري السعودي هذا الموسم، بعده أقال نادي الطائي الوافد الجديد لدوري المحترفين مدربه التونسي محمد الكوكي بأيام قليلة، وبالتحديد عقب نهاية الجولة الثالثة؛ وذلك بعد البداية المخيبة للآمال التي خسر من خلالها الفريق جميع مبارياته الثلاث، إضافة لعدم حصوله على شهادة PRO التي اشترطها اتحاد القدم لمدربي دوري المحترفين.
وجاءت إقالة كاريلي وإل نيستور والكوكي في وقت مبكر من الموسم، وقبل أن تتضح ملامح المنافسة؛ وهو ما ينذر بمسلسل جديد لإقالات المدربين في الموسم الحالي بعد أن أصبح رحيل المدربين في وسط الموسم ظاهرة حقيقية في الدوري السعودي خلال المواسم الماضية.
مينزيس رابع الضحايا
أعلن نادي النصر إقالة المدرب البرازيلي مانو مينزيس عقب الخسارة من الاتحاد مساء أمس الأول السبت في المرحلة الخامسة من الدوري السعودي للمحترفين، ومن المنتظر أن يعلن مجلس إدارة النادي خلال الأيام القليلة القادمة المدرب الجديد. علمًا بأنه أسند المهمة بشكل مؤقت إلى المدرب مارسيلو مساعد المدير الفني المقال.
أسباب إقالة المدربين
وتختلف أسباب إقالة المدربين من قِبل إدارات الأندية إلا أن النتائج والضغوط الجماهيرية تأتي على رأس هذه الأسباب رغم الشروط الجزائية الكبيرة في عقود المدربين التي تكلف خزائن الأندية مبالغ تصل إلى ملايين الريالات عند فسخ العقود.
وحُمَّى تغيير المدربين نجدها أكثر انتشارًا في ملاعبنا عن باقي الدول العربية؛ إذ إن مصير المدرب مرتبط بطبيعة النتائج التي يحققها مع النادي خلال الموسم، وليست جودة عمل المدرب والصبر عليه.
فعند كل إخفاق في بطولة أو مباراة يصب الجمهور كامل غضبه على المدرب؛ وكخطوة لكسب رضا الجمهور تقوم الإدارة بإصدار قرار إقالة المدرب. ونلاحظ انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير في ملاعبنا خصوصًا، والملاعب العربية عمومًا.
ولا يكاد أي مدرب يستمر مع فريقه بضعة مواسم إلا وخبر إعلان إقالته قد لحقه بعد كل نهاية موسم، وقد يكون في بدايته أيضًا، حتى ولو كان المدرب له باع طويل في البطولات، على عكس ما يحدث في الكرة الأوروبية حيث نجد فترة إشراف المدرب على الفريق تصل إلى مواسم عدة، وفي بعض الأحيان قد تطول إلى أكثر من عقد من الزمن.
الإقالة باتت ظاهرة مرضية
يُعدُّ الاستقرار الفني والإداري من أهم عوامل نجاح الأندية، والكثير من الإدارات تتعامل بردة الفعل إزاء خسارة أو ضياع بطولة؛ وبالتالي يكون المدرب هو الحلقة الأضعف في المنظومة بدلاً من دراسة وتحليل أسباب التراجع والتعثر، حتى وإن كان المدرب ليس سببًا رئيسيًّا في تراجع النتائج على اعتبار أن اللاعبين مجموعة كبيرة، يصعب على الأندية اتخاذ الموقف إزاءهم؛ فيتم اللجوء إلى المدرب، وتأخذه المقصلة بكل سهولة!
ويشكِّل المدربون أحد أهم الأسباب الرئيسية لنجاح الفِرق، لكنهم يبقون أول شماعة يعلق عليها المسؤولون أسباب فشل فرقهم، وظل مستقبلهم في الاستمرار مع الفرق مهددًا بانتظار قرار قد يكون ارتجاليًّا من الإدارة بسبب الخضوع لضغوط رأي الشارع الرياضي.
ولم تعد ظاهرة إقالة المدربين حدثًا استثنائيًّا في الدوري السعودي، بل باتت حقيقة مؤلمة، تجاوزت كل حدود المألوف؛ فقد أصبح المدرب شماعة، تُعلِّق عليها إدارات الأندية فشلها. ومع أن هذا السيناريو أصبح مكررًا إلا أن الجديد فيه أن بعض إدارات الأندية لم تأتِ بجديد، ولم تستفد من أخطائها السابقة.
ظاهرة إقالة المدربين والاستغناء عنهم قبل إكمال مدة تعاقداتهم تبقى من الظواهر المتكررة والملحوظة في الساحة الرياضية المحلية. والتساؤل الأكبر: هل هذه الإقالات والمصروفات الكبيرة مبنية على دراسة وضرورة فنية أم إنها ردة فعل وشماعة فشل إداري وضعف أداء اللاعبين؟!