قبل 28 يومًا من حلول شهر رمضان المبارك، وتحديدًا في صباح يوم الأحد الـ 8 من شعبان 1442هـ، الموافق الـ 21 من مارس 2021م، غيّب الموت أحد رموز الصحافة والإعلام في السعودية، الكاتب والإعلامي القدير محمد الوعيل، الذي وافته المنية عن عمر ناهز 74 عامًا.
عمل الفقيد "محمد الوعيل" بعطاء مستمر طوال مسيرته الحافلة في أروقة الصحافة والإعلام لمدة 40 عامًا، تنقل خلالها بين عدد من الصحف محررًا ومديرًا للتحرير ونائبًا لرئيس التحرير ومستشارًا، حتى تقلد منصب رئيس تحرير صحيفة اليوم لمدة 14 عامًا.
خبر وفاة الإعلامي محمد الوعيل الذي أعلنه ابنه نايف عبر تغريدة نعى بها أباه: "بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، أنعى والدي ومعلمي وقدوتي وصديقي وجنتي محمد الوعيل، الذي انتقل إلى رحمة الله قبل قليل"، نزل كالصاعقة على العاملين كافة بالوسط الإعلامي؛ لما للفقيد من مكانة عظيمة نظير المسيرة الطويلة التي قضاها داخل أسوار المهنة؛ إذ نعاه كبار رجال الإعلام والصحافة من داخل السعودية وخارجها.
الولادة والنشأة
الفقيد وُلد في الرياض عام 1947م في منطقة المصانع بجوار حي منفوحة، قبل أن يستقر به الحال للسكن في شارع العطايف برفقة والديه وأشقائه.
بدأ عشقه الفعلي للإعلام في المرحلة الابتدائية في مدرسة سبيكة، وتحديدًا عبر الإذاعة المدرسية، كما كان مولعًا حينها بتقليد عدد من الشخصيات الإذاعية البارزة، وكذلك لديه شغف بالصحف الحائطية، وكانت أولى بوادر عمله في المجال الإعلامي في نادي الهلال، وتحديدًا عبر مجلة النادي الثقافية، التي كان يعمل فيها في تلك الفترة عدد من الأسماء الصحفية اللامعة، مثل الأستاذ يوسف الكويليت.
ومن خلال مدارس سبيكة نشط حينها في الأنشطة اللاصفية، وتحديدًا المرتبطة بالإذاعة، علاوة على كونه امتاز بحسن الخط؛ الأمر الذي جعل أصداء تميز خطه خارج نطاق مدرسته؛ ما جعله يخط بعض اللوحات الترحيبية بالملك سعود في إحدى طرق وشوارع الرياض.
1400 شخصية بارزة
وانطلق "الوعيل" في حياته الإعلامية محررًا في صحيفة الرياض قبل أن ينتقل لصحيفة الجزيرة سكرتير تحرير، وفي تلك الفترة قدم فقرة "ضيف الجزيرة" التي كانت مع أكثر من 1400 شخصية بارزة من ساسة ورجال أعمال ورجال مجتمع في الداخل والخارج، استضافها، ومن ثم تولى منصب نائب رئيس تحرير في جريدة "الجزيرة" قبل أن يتقلد منصب رئيس تحرير صحيفة "المسائية" لمدة خمس سنوات، ومن ثم رئيس التحرير بصحيفة اليوم لمدة 14 عامًا قبل أن يتوجه للعمل مستشارًا للتحرير في صحيفة عكاظ، ولتكون صحيفة "ليل ونهار" المعنية بالعمل الخيري آخر محطاته الإعلامية من خلال إنشائه تلك الصحيفة.
صديق الجميع
ويقول الابن "مشعل" واصفًا علاقة أبيه -رحمه الله- بعائلته وأقربائه: "إنه كان صديقًا للجميع بما تعنيه الكلمة من معنى. التعامل معه يكون خارج إطار الأب مع أبنائه؛ فقد كان حريصًا على قضاء أغلب الأوقات بجوارهم، ولا شيء يعادل سعادته حينما تكون الأسرة محيطة به. أقولها بكل صدق: كان عاشقًا لعائلته حتى النخاع، كما كان دائمًا مبادرًا لأي مناسبة يجتمع بها مع أقاربه، حتى في معمعة انشغالاته وارتباطاته ومسؤولياته كان دائمًا يحرص على ربط جسور التواصل بأقاربه. فعلى سبيل المثال: حينما كان موجودًا في المنطقة الشرقية كان يأتي للرياض سويعات بسيطة، وكان يحرص خلال تلك الفترة الصغيرة على أن يلتقي أقاربه: يزور المريض منهم، ويلبي واجباته الاجتماعية تجاههم".
وأضاف: "كان يحرص -رحمه الله- قبل شهر رمضان المبارك بأيام على إعداد قائمة بالأشخاص الذين يرغب بتهنئتهم، وكان يخص كل شخص بتهنئة متفردة وخاصة، فلم يكن يعترف بفكرة الرسالة الموحدة للجميع بالتهنئة، كما كان يحرص على زيارة أقاربه وزيارة أصدقائه وزيارة معارفه المرضى. وخلال الشهر الكريم كانت الأولوية له أن تكون وجبة الإفطار تضم أفراد العائلة كافة، وكان حريصًا جدًّا على صلة الرحم؛ إذ يضع برنامجًا طوال شهر رمضان لزيارتهم".
يعشق ويتنفس المهنة
وحول تأثير عمله الإعلامي على أبنائه يقول "مشعل": "إنه بدون أدنى شك لو لم يكن هناك تأثير مباشر فهناك تأثير غير مباشر من خلال مشاهدتنا كيفية انهماك الراحل -رحمه الله- في العمل على مدار اليوم، لدرجة أنني لا أتذكر أن كلمة إجازة كانت موجودة في قاموسه؛ فقد كان يعشق ويتنفس المهنة بكل تفاصيلها".
السر في الابتسامة
وكشف "مشعل" عن أحد الأسرار التي جعلت للفقيد حبًّا ومكانة في نفوس الكثيرين، سواء داخل الوسط الإعلامي أو خارجه، قائلاً: "والدي -رحمة الله عليه- كان دائمًا يوصينا بالابتسامة، وكان دائمًا ما يردد (واجه بها كل من يسيء إليك)، مؤكدًا أن الابتسامة كفيلة بأن تغير مسارك وانطباع الشخص تجاهك، وكان دائمًا يوصينا بأن نعامل الناس كما نحب أن يعاملونا، وكان يقول دائمًا: وتكبر في عين الصغير صغارها، وتصغر في عين العظيم العظائم".
وأردف: "كان -رحمه الله- حريصًا دائمًا على أن يذكره الجميع بخير؛ فقد كان يقدم التنازلات كافة فقط لأجل ألا يدخل في خصومة مع أحد".
تغريدات الوداع
وتابع ابنه: "قبيل وفاته خصص الفقيد محمد الوعيل جزءًا كبيرًا من التغريدات في حسابه، يشكر ويثني على الجميع؛ فقد كانت كل تغريدة منها تحمل اسم صديق أو زميل مهنة له، وتداولها محبوه، وأطلقوا عليها (تغريدات الوداع)".