تجددت مطالب تونسية بغلق فرع "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" في تونس؛ وذلك عقب تحريضه على الفوضى في بيانه الذي أصدره بتحريم قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد بتجميد مجلس النواب ذي الأغلبية الإخوانية، ووصفها بأنها "انقلاب" يجب أن يتصدى له التونسيون.
وتفصيلاً، أبدى محللون تونسيون دهشتهم من هذا التحريض، في حين صمت الاتحاد لمدة 10 سنوات حكمت فيها حركة النهضة الإخوانية البلاد بأسلوب التسلط والمغالبة، واستخدمت العنف ضد المعارضين، وعبَّأت البلاد بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بخلاف دوره في تضليل الشباب التونسي بالفكر الإرهابي، حسب "سكاي نيوز عربية".
وسارع فرع "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" في تونس إلى إصدار بيان في ليلة صدور قرارات الرئيس التونسي نفسها الأحد الماضي، بعنوان "الاتحاد يفتي بحرمة الاعتداء على العقد الاجتماعي الذي تم بإرادة الشعب التونسي"، وينظم العلاقة بين الرئاسة ومجلس النواب ورئاسة الوزراء.
وقال الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي أسسه الإخواني يوسف القرضاوي سنة 2004، وتأسس فرعه في تونس عام 2012 خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة الإخوانية، إنه يؤكد "خطورة تلازم ثلاثية (الاستبداد والفوضى والانقلاب غير الشرعي)، الذي لن يحقق للشعوب الحرة أي وعد من وعوده الكاذبة، وأن التجارب القريبة تخبرنا بذلك فلا رفاهية ولا خير في انقلاب".
ووصف الاتحاد تجربة حكم الإخوان لتونس في السنين العشر الأخيرة بـ"النعيم"، في قوله: "وتنعم خلال السنوات العشر السابقة بقدر كبير من الحريات غير المسبوقة بعد أن تحرر بالتضحية والفداء".
ووصف احتجاجات التونسيين ضد حكم الإخوان بأنها ثورة مضادة: "واليوم تريد قوى انتكاسة وثورة مضادة، وعودة إلى الوراء، والتوقف عن تجربته، وهذا مخالف لإرادة الشعب الحرة والدستور الذي أقره الشعب التونسي"، بحسب البيان.
وكشف صراحة عن وقوفه لجانب الإخوان، وهاجم قرار تجميد البرلمان بزعمه أن الدستور لا يخول لرئيس الجمهورية “حق مصادرة السلطات بيده وإقالة الحكومة، وتجميد البرلمان المنتخب".
وطالب الاتحاد الرئيس التونسي بالعدول عن قرارته، ملوحًا بعصا التهديد ونشر الفوضى وهو يقول: "نطالب الرئيس التونسي بالعدول عن هذه القرارات التي تزيد من دوامة الضياع للشعب التونسي، وتسهم في تعميق الفوضى والاضطراب، وهو ما لا نريده ولا يحتاج إليه الشعب التونسي الذي يريد الأمن والاستقرار".
وحرَّض التونسيين، بمن فيهم الجيش، على رفض هذه القرارات قائلاً: "ونطالب الشعب التونسي بكل مكوناته وقواه بالحفاظ على مكتسباته وتضحياته وحريته وكرامته، وعدم القبول بالعودة إلى الديكتاتورية التي تركِّع وتجوِّع وتطوِّع الشعب".
وتابع: "نحن مع حرية الشعب الكريم وكرامته، وننتظر منه أن يقول رأيه، كما يجب على الجيش التونسي أن يظل وفيًّا لقرار الشعب، حياديًّا، يدافع فقط عن الشعب". وهو يشير بكلمة "قرار الشعب" و"الشعب" -فيما يبدو- إلى القلة التي تنتمي لتنظيم الإخوان، ويصرون على بقائهم في السلطة.
ووصف ما جرى بأنه "انقلاب" على المؤسسات المنتخبة، و"لا يجوز شرعًا"، وإعلان حالة الطوارئ المفتوحة "لا يجوز".
والاتحاد الذي يرأسه حاليًا أحمد الريسوني خلفًا للقرضاوي يضم أغلبية من القيادات الإخوانية في بلاد عدة، ومقره العاصمة القطرية الدوحة، وسبق أن وقف إلى جوار جماعات العنف الإخوانية المسلحة في سوريا لإسقاط نظام الحكم السوري، ثم وقف إلى جوار تنظيم الإخوان وأعماله الإرهابية في مصر حين وصف ثورة 30 يونيو 2013 على حكمهم بأنها "انقلاب".
وقالت الباحثة والإعلامية التونسية رباب علوي إن فتوى الاتحاد في تونس باغتتها؛ إذ إن القول "بحرمة الاعتداء على العقد الاجتماعي بين الشعب والسلطة بعد قرار رئيس الجمهورية يتنافى مع حقيقة أن الإجراء الذي اتخذه رئيس الجمهورية يدخل في صلب اختصاصه، وتسانده في ذلك المادة الـ80 من الدستور".
وتساءلت متعجبة : "لم نسمع للاتحاد صوتًا حين تعسفت السلطة (بقيادة الإخوان) على الشعب، وحين تزايد الاحتقان الاجتماعي، وارتفعت نسبة الفقر والبطالة طيلة هذه السنوات".
ولفتت الباحثة التونسية إلى أن الاتحاد سارع في نشر بيان رسمي بعد ساعات من إعلان رئيس الجمهورية، بينما لم نشاهد هذا الحرص على التونسيين حين كان الشعب ينوء بأعباء ثقيلة، ويقع تحت وطأة الفقر والتهميش في ظل أزمة صحية خانقة، تمثلت في القفزة الهائلة التي شهدتها معدلات الإصابة بفيروس كورونا المستجد.
وتقول رباب علوي إن انحياز الاتحاد لحركة النهضة كان خافتًا وغير معلن، خلافًا لموقفه الأخير، فانكشف طابعه السياسي المتخفي وراء الطابع الدعوي.
وسبق أن طالب المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة في تونس رئاسة الحكومة نهاية العام الماضي بضرورة غلق مكتب فرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في "أسرع وقت لمنع مزيد انتشار العنف والإرهاب في بلادنا".
وبحسب المرصد حينها فإن "فرع تونس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يستعد لتنظيم الدورة التكوينية لسنة 2020/2021"، معبرًا عن استغرابه الشديد "من ترخيص الدولة التونسية لتنظيم مثل هذه التظاهرات الخطيرة في الوقت الذي تتواتر فيه العمليات الإرهابية في تونس بفعل غسل دماغ شبابنا في مثل هذه الدورات".
كما انتقد المرصد أن "تونس هي من الدول التي فسحت المجال لفتح مكتب لهذا الاتحاد ليقوم بدورات للمتشددين لتدريبهم على وسائل نشر الفكر الإخواني، وضرب مدنية الدولة والنظام الجمهوري في بلادنا".
ويشير الأكاديمي والمحلل السياسي التونسي الدكتور أنيس اللواتي إلى أن ما أصدره اتحاد علماء المسلمين حول التطورات السياسية بالبلاد لا يعدو أمرًا جديدًا أو عرضيًّا.
وذكّر "اللواتي" بأدواره السابقة في نشر الفوضى لدعم الإخوان في دول أخرى وقال لـ"سكاي نيوز عربية": "لم يكتفِ اتحاد علماء المسلمين بتدمير سوريا وزرع الفتن داخل كل أرباع الوطن العربي؛ إذ يسعى اليوم إلى استخدام الدين للدفاع عن فرع تنظيم الإخوان بتونس، لكن إرادة الشعب واضحة أمام العيان، ألا وهي رفض قطعي لوجود تنظيمات تقودها أطراف خارجية لخدمة مصالح تتضارب ومصالح الشعب التونسي باسم الدين".
أما العقد الاجتماعي الذي ألمح إليه الاتحاد "فهو عقد يربط بين الشعب والسلطة، وأي خرق له من طرف السلطة يعطي الحق لرئيس الجمهورية بوصفه حامي الدستور والدولة للتدخل وإصلاح الأوضاع، وكان ذلك بمباركة شعبية واسعة لا تشوبها شائبة".
واختتم قائلاً: "ما هو محرم حقًّا هو استغلال الدين لخدمة أجندات سياسية، فلا صوت يعلو فوق صوت الشعوب".