في إطار تنشيط الحراك الثقافي الكبير الذي تعيشه بلادنا في الوقت الحالي شهد الأسبوع الحالي حدثَين مهمَّين، سارعت وسائل الإعلام العالمية إلى نقلهما، هما توقيع مدينة نيوم السياحية اتفاقية مع شركة مانجا التابعة لجمعية سند الخيرية لإنتاج وتوزيع الجزء الثاني من مسلسل (أساطير في قادم الزمان) على طريقة (الأنمي) التي تحظى بمتابعة فئة واسعة من الشباب. أما الحدث الثاني فيتمثل في قيام اليونسكو بتسجيل فن حياكة السدو ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي.
وتبذل وزارة الثقافة منذ إنشائها جهودًا متواصلة لإثراء الفعاليات الثقافية، ولفت انتباه العالم لما عُرف به مجتمعنا السعودي من ثراء ثقافي واسع، باعتبارها مهد الحضارة الإنسانية.. ويتحرك وزيرها، سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، في كل الاتجاهات لأجل تسليط الضوء على هذا التاريخ العريق، وتعريف العالم بالدور الحضاري الكبير الذي اضطلعت به السعودية على مدار التاريخ الإنساني.
ولا شك في أن مثل هذه الإنجازات الثقافية يمكن أن تكون شاهدًا حيًّا على الدور الفاعل للمملكة، وإرثها العريق الذي تمتاز به؛ وهو ما يمكن أن يسهم في تقديم صورة حقيقية عن بلادنا، وما تتمتع به من تراث غني وموروث غزير؛ وهو ما يسهم في شد انتباه السياح الذين تسعى السعودية إلى استقطابهم خلال الفترة المقبلة.
وإدراكًا للدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الثقافة في هذا العصر، فقد نادت رؤية السعودية 2030 بضرورة الاهتمام بعناصر الحراك الثقافي كافة، وتسجيلها على لوائح التراث الإنساني؛ لأن الاهتمام المحلي لا يكفي وحده لتعريف العالم بها.. فظلت هذه الأولوية موجودة عبر ثلاثة محاور رئيسية، هي: (المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح)، اعترافًا بما يمثله ذلك من أهمية بالغة، تتجاوز مجرد تحقيق العوائد الاقتصادية، وتشمل تطوير العلوم والمعارف، وتعزيز الوحدة الوطنية، والحفاظ على الهوية.
هذا الفهم المتقدم لعناصر الثقافة ودورها الحيوي يؤكد أن السعودية لا تعيش فقط مجرد نهضة اقتصادية، بل تشهد طفرة ثقافية واجتماعية متكاملة، امتدادًا لتوجهها الحالي بالانفتاح على الآخر، وزيادة التبادل الثقافي، والإسهام في حركة الثقافة العالمية.
وهذا الحراك لا شك ينطوي على مكاسب كثيرة، في مقدمتها إثراء الجانب السياحي، وتهيئة الطريق أمام المبدعين والأدباء والمفكرين، وإنهاء حالة الغياب التي كانت سائدة في السابق، والقضاء على حالة العزلة الثقافية والانكفاء على الذات التي كنا نعاني منها في السابق نتيجة لبعض المفاهيم المغلوطة التي تحرر منها مجتمعنا بحمد الله.
المطلوب الآن هو ضرورة وضع خطة عملية وواقعية لتفعيل هذه الجهود، تتمثل في إقامة منتديات علمية ومؤتمرات للمهتمين بجوانب التراث الإنساني، إضافة إلى استحداث جوائز فنية، وإقامة مسابقات متخصصة.. مع أهمية بذل جهد إعلامي أكثر للتعريف بهذا المنتج الثقافي الذي نمتاز به.
ختامًا، يمكن القول إن بلادنا -ولله الحمد- تسير في طريقها لتحديث واقعها، وتسليط الضوء على عناصر قوتها الثقافية والتراثية، ورسم مستقبلها بإرادتها الذاتية. وهذا التغير في المفاهيم وضعت أساسه رؤية السعودية 2030 التي أكدت أن الثقافة لم تعد في هذا العصر مجرد أنشطة ترفيهية، بل سلاحًا تدافع به الأمم عن وجودها، وتروج به لمنتجاتها الاقتصادية وقدراتها السياحية، ولاسيما أننا نعيش ثورة المعلومات والفضائيات التي تملك القدرة على الدخول إلى المنازل كافة دون استئذان.