رسمت "ملاك الرحمة"، الممرضة السعودية تهاني الشريف، على مدار ثلاث سنوات من العطاء الفذ والإنسانية بمعناها الكامل البسمات على شفاه كل طفل تراه منوَّمًا على السرير الأبيض، وقد حرمه المرض الانطلاق بفرحة مع أقرانه في العيد.
ودأبت "تهاني" على أن تحمل بين يديها الهدايا والملابس والألعاب؛ لتمسح رأس كل طفل يلقاها؛ فيظنها "الحلم الجميل".
وطوال هذه السنوات الثلاث لم تدخر الممرضة "تهاني" جهدًا أو مالاً في سبيل إدخال السعادة إلى قلوب أطفال، أجبرتهم الظروف الصحية الصعبة على ملازمة السرير الأبيض في قسم العناية، منطلقة في ذلك من واجبها الديني، ومجندة كل طاقتها ووقتها لهؤلاء الأطفال.
وتعمل الممرضة "تهاني" في قسم العناية المركزة بمستشفى الملك خالد ومركز الأمير سلطان في محافظة الخرج، وتواصل رحلة عطائها المتمثلة في شراء الملابس الجميلة والأكسسوارات المميزة "من حسابها الخاص" للأطفال المنومين داخل قسم العناية، رغم أن الكثيرين منهم لا تسمح لهم حالاتهم الصحية بإدراك هذا الدور الإنساني النبيل.
وحرصت "ملاك الرحمة" على عدم الكشف عما تفعله، وكانت تكتفي بالرد على أهالي الأطفال بأن كل ذلك مقدَّم من فاعل خير، لكنها في هذا العام طلبت من إحدى الممرضات الأجنبيات مساعدتها في إلباس الأطفال لباس العيد؛ فعلم والد أحد الأطفال المنومين في القسم بالأمر.
وقد التقت "سبق" الممرضة تهاني الشريف التي اعتذرت في بداية اللقاء عن عدم التعليق على هذا العمل ابتغاء للثواب والأجر من الله تعالى.
وفي ظل إصرار "سبق" على الحديث معها قالت الممرضة "تهاني": منذ سنوات عدة رأيت ذوي أحد المنومين داخل قسم العناية المركزة يحضرون له ملابس العيد، وبعد مشاهدتي له في تلك الملابس الجميلة ذهبت فورًا لأحد المتاجر المجاورة، واشتريت "ملابس عيد" للأطفال كافة المنومين بالقسم، وقمت ليلة العيد بإلباسهم جميعًا، وأصبحت أؤدي هذا العمل كل عام، دون أن أخبر أحدًا، حتى ذوي الأطفال.
وأضافت: خلال إجازة الأعياد يتم تكليفي بالعمل، وأحرص دومًا على مشاركة هؤلاء الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة "فرحة العيد". وسعادتي الحقيقية عندما أراهم بلباس العيد. وأبغي فقط الرحمة من الله لي ولهم.
وأردفت: هذا العمل أدخل عليّ فرحة وسعادة عظيمة، خففت عني همَّ البُعد عن أهلي، وهمَّ والدي المقعد الذي تعرض لجلطتين؛ إذ إنني من مكة المكرمة، وأعمل في محافظة الخرج، وأعيل أسرتي وحدي.
وتابعت: ما وجدته من ردود أفعال من أهالي وذوي الأطفال، ورسائل المحبة ودعواتهم الصادقة لي ولوالدي المريض، سيجعلني استمر في هذا العمل طوال حياتي.. وأسأل الله أن يجعله في موازين حسناتي.
وفي سياق متصل، قال سعود حماد، وهو أب لأحد الأطفال المنومين في العناية المركزة منذ ثلاث سنوات، لـ"سبق": اعتدت أنا وزوجتي كل عام في ليلة العيد، سواء عيد الفطر أو عيد الأضحى، أن نحضر لابني ملابس العيد، لكننا فوجئنا بأن ابني والأطفال المنومين كافة بالعناية يرتدون أجمل الملابس من ملابس داخلية وثياب، وحتى الأحذية والأشمغة للأولاد، والأكسسوارات للبنات. وعندما نستفسر من الطاقم الطبي عمَّن يقوم بهذا العمل لا نجد إجابة وافية.
وأضاف: في هذا العام، وعند حضورنا لزيارة ابننا ليلة العيد، وجدناه كما هي العادة مرتديًا أجمل الثياب، فذكرت لنا إحدى الممرضات الأجنبيات أن الممرضة "تهاني" هي من قامت بإحضار الثياب الجميلة له هذا العام، وفي الأعوام السابقة.
وأردف "سعود": حقيقة، لا أعلم كيف أجازيها؛ فرغم حالة أطفالنا المَرضية الصعبة التي تتطلب أقصى معايير الصبر والتحمل إلا أنها لم تنسَ أن تُدخل على قلوب ذويهم الفرحة والسرور عند رؤيتهم بلباس العيد.
يُذكر أن محافظ الخرج مساعد بن عبدالله الماضي قد وجه خلال معايدته المرضى المنومين بالمستشفى صباح أول أيام عيد الفطر المبارك قسم العلاقات العامة والمراسم بالإمارة بتكريم الممرضة تهاني الشريف.
ووجَّه مدير مستشفى الملك خالد ومركز الأمير سلطان للخدمات الصحية، الأخصائي فهد بن محمد الممخور، بإقامة حفل تكريم داخلي خاص للممرضة تقديرًا لعملها النبيل والمميز، وذلك في أول يوم عمل بعد إجازة عيد الفطر.