مثلما تدشن رؤية 2030 مشهدًا اقتصاديًّا جديدًا للمملكة، لعصر ما بعد النفط، تدشن مدينة "نيوم"، التي أعلنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أمس، باستثمارات تتجاوز 500 مليار دولار، عصر التكنولوجيا والتقنية الحديثة، ولكن باستراتيجية مغايرة، تؤسس لأجيال سعودية واعدة من المهندسين والتقنيين الماهرين، الذين يستخدمون آخر ما توصل له العلم في التعامل مع عالم "الروبوتات"؛ ليكون عونًا للإنسان في كل مناحي الحياة.
تفاصيل المدينة الجديدة، وأهدافها وآلية عملها، ما زالت غامضة على بعض الذين لم يستوعبوا هول "المفاجأة السارة"، بأن تحتضن المملكة العربية السعودية، ومعها مصر والأردن، مشروعًا بهذا الحجم من الرؤى والتطلعات والأحلام التي تلامس حدود الخيال.
فلم تمر 24ساعة على إعلان تفاصيل "نيوم" في مؤتمر صحفي، رصدته ووثقته وسائل الإعلام المحلية والعالمية، إلا وأُعلن استعراض مقطع فيديو، يُظهر "صوفيا"، أول روبوت بالعالم يُمنح الجنسية السعودية وجواز سفر سعودي. وقال "سعود القحطاني"، المستشار في الديوان الملكي المشرف العام على مركز الدراسات والشؤون الإعلامية، الذي استعرض مقطع الفيديو: "لقد مُنح روبوت صوفيا الجنسية والجواز السعوديَّيْن كبادرة رمزية لتبيان مستقبل مشروع نيوم".
وظهر الروبوت "صوفيا" وهو يتحدث ويناقش أحد المسؤولين في مؤتمرات وحوارات مبادرة مستقبل الاستثمار، التي تحتضنها الرياض، في إشارة جلية إلى أن "نيوم" سيكون مشروع القرن بلا منازع، وسيحوِّل وجهة السعودية صوب التقنية والابتكار والاختراع؛ وهو ما يقرب البلاد أكثر للاقتصاد القائم على المعرفة.
أصل الكلمة
وكلمة روبوت مأخوذة من اللغة التشيكية، وتعني العمل الشاق، أو السخرة والعمل الإجباري. وقد استُخدمت هذه الكلمة لأول مرة في مسرحية تشيكية للكاتب "كارل تشابيك" بعنوان "رجال روسوم الآلية العالمية"، التي عُرضت في عام 1920م. وقد ابتكر هذه الكلمة "روبوت" له أخوه جوزيف تشابيك؛ ليساعده على إيجاد اسم مناسب، يطلق على الآلات الحية التي تعمل في المسرحية. وقد رسم كارل في مسرحيته صورًا لأجهزة الإنسان الآلي الذي استطاع أحد العلماء اختراع وتصميم عدد منها لمساعدته في بعض المهام، ولكنه عندما أقحمها في المعارك والحروب انقلبت ضده وضد العالم البشري بأكمله، وأصبحت متحكمة في زمام الأمور في العالم. ومنذ ذلك التاريخ انتشرت تلك الكلمة في الأعمال الفنية الخاصة بالخيال العلمي؛ ما حدا بالمبتكرين لإنتاج الروبوت الآلي الحقيقي، وتطوير مجالات استخدامه.
وقد رأى هذا الابتكار طريقه إلى النور بعد منتصف القرن العشرين، عندما انتشرت صناعة الدوائر المغلقة والإلكترونيات وأجهزة الحاسوب. وقد ظهر أول روبوت حقيقي في عام 1967م في معهد ستانفورد للأبحاث، وتطور هذا الشكل البسيط في الثمانينيات عند ظهور المسلسل المعروف (حرب الكواكب)، الذي ظهر فيه الروبوت الآلي في صورة خادم مطيع، وبعد ذلك توالت المحاولات الجادة للإفادة من الروبوت الآلي بشتى الطرق. وقد كانت اليابان - وما زالت - أكثر دول العالم تطورًا وريادة في هذا المجال.
حياة الإنسان
ويؤمن القائمون على دراسة مشروع "نيوم" بأن "الروبوت الآلي" سيكون قادرًا على تغيير حياة الإنسان في السنوات القادمة؛ لذلك لم يكن غريبًا أن يتم الإعلان أن عدد الروبوتات في مدينة "نيوم" الحالمة سيفوق عدد البشر.
وتشير المصادر العلمية إلى أن فوائد الروبوت الآلي للإنسان أصبحت حقيقة واقعة، وهذا ما توصل إليه الباحث العلمي محمد حسونة؛ إذ قال في إحدى مقالاته: "أصبحنا نعتمد على الروبوتات الآلية، أو الإنسان الآلي، أكثر من أي وقت مضى؛ فالروبوت آلة صممها البشر للقيام بدلاً منهم بالأعمال الشاقة والخطيرة، التي يصعب عليهم أداؤها أو القيام بها؛ لأنها تشكل خطرًا على حياة الإنسان".
وحققت عمليات البحث والتطوير الكثير من النجاح في تفعيل أداء الروبوت الآلي، واستخدامه في مجالات مهمة، تجلب الفائدة للإنسان، منها - على سبيل المثال - الصناعات الثقيلة والخدمات العسكرية الخطيرة، والخدمة المنزلية والتسلية والمرح، ومرافقة المسنين، وطلاء السيارات وتركيبها ولحام الأجزاء المفككة دون الشعور بالإرهاق أو التعب. وقد استغل الإنسان الروبوت الآلي في مساعدته على القيام بكثير من الوظائف الشاقة أو الحساسة التي يعجز البشر عن القيام بها لدقتها العالية، أو بسبب خطورتها على حياتهم، أو غير ذلك. ويكتفي الإنسان بدور المراقب والموجه فقط، أو إعطاء الأوامر والتعليمات.
وتشير الدراسات والأبحاث إلى أن نحو 90 % من الروبوتات الآلية المخترعة في العالم تعمل في مجال الصناعة، وفي المجال الطبي، وأصبحت العمليات الجراحية الدقيقة أكثر سهولة وأمانًا بعد استخدام الروبوت الآلي في تنفيذها وإجرائها؛ إذ يتمكن الإنسان الآلي من القيام بمهام جراحية دقيقة، يعجز أمهر الأطباء عن أدائها بالكفاءة نفسها. والعجيب في الأمر أن الجراحة باستخدام الروبوت الآلي يمكن للطبيب الجراح أن يقوم بها عن بُعد دون أن يكون موجودًا في غرفة العمليات أو في البلد نفسه. ومن المميزات التي تميِّز الجراحة باستخدام الروبوت الآلي عن الجراحات التقليدية قلة المخاطرة، وصغر حجم الجرح، وقلة الآلام المصاحبة للجراحة، وقلة الدم الفاقد.. وغير ذلك. ويُستخدم الروبوت الآلي حاليًا في إجراء جراحات وطب النساء، إضافة إلى جراحة المستقيم والقولون والبروستاتا، وكذلك جراحة سرطان الحلق وجراحات القسطرة وتغيير الشرايين وعلاج السمنة.. ومن المنتظر أن يتطور استخدام الإنسان الآلي في مجال الطب بصورة أكثر فاعلية. وسوف تثبت السنوات القليلة القادمة أنه قادر على أداء الكثير من المهام التي لم يكن يتوقعها الإنسان. كما يحاول اليابانيون الآن اختراع روبوت آلي صغير الحجم، يسبح في دم الإنسان أو بوله؛ ليلتقط البكتيريا أو بعض الخلايا، ونقلها إلى مراكز التحاليل.
أبحاث الفضاء
ولأبحاث الفضاء نصيبها من خدمات الإنسان الآلي؛ إذ يقوم الروبوت بمهمة استكشاف الفضاء، ومتابعة بعض المواقع أو الكواكب الفضائية، ويمكنه أن يهبط على سطح الأرض، ويلتقط الصور، ويستكشف التربة.. ويتم ذلك كله عن طريق التحكم عن بُعد في الروبوت الآلي، وتوجيهه للقيام بالمهام دون وجود الإنسان في المنطقة التي قد تمثل خطرًا على حياته، أو يصعب عليه الوصول إليها بأي شكل من الأشكال. كما يمكن للروبوت الغوص تحت الماء لمسافات بعيدة لإجراء البحوث حول الكائنات البحرية في أعماق البحار والمحيطات.
كما تم تزويد هذه الروبوتات بعجلات للحركة، ومجسات حساسة وكاميرات عالية الجودة للتصوير، واستكشاف هذا العالم الذي ظل مجهولاً حتى فترة قريبة، ومعاونة الشرطة في مكافحة المجرمين والقضاء على الجرائم، خاصة في الأماكن التي يُحتمل فيها المخاطرة بالأرواح؛ إذ يستطيع الإنسان أو الروبوت الآلي المزود بكاميرات أمامية وخلفية، الذي يعمل بالأشعة تحت الحمراء، أن يبحث عن المجرمين، ويتسلق الدرج، ويحمل السلاح للقبض على المجرمين أو حماية الرهائن وتحريرها.
ويستطيع الروبوت فحص الأماكن الخطرة على صحة الإنسان، كأماكن الحرائق للبحث عن الضحايا أو المفقودين أو إنقاذ الأرواح، أو الكشف عن القنابل والمتفجرات في بعض الأماكن التي يشك في خطورتها، وأيضًا إصلاح التسريبات النفطية التي تمثل خطرًا بالغًا على حياة الأفراد، سواء كان التسريب تحت الماء أو على الأرض كما حدث في عام 2010م عندما قام الروبوت الآلي بدور مهم في إصلاح تسريب النفط تحت الماء لشركة بي بي في.
نقل المعلومات
ويقوم الروبوت كذلك بأعمال طبية وتمريضية عدة، مثل قياس الضغط ودرجة الحرارة ومتابعة حالة المريض دوريًّا ونقل المعلومات إلى المركز الطبي المختص، وكذلك تغليف المنتجات أو تعليب البضائع، ووضعها في الصناديق الخاصة بها. ويقوم الإنسان أو الروبوت الآلي بتلك المهام بمهارة وسرعة فائقة ودقيقة، تفوق العنصر البشري نظرًا لسهولتها وعدم حاجتها إلى التفكير أو الإبداع، فضلاً عن قيامه بمساعدة المزارعين في أعمال الحقل، خاصة قطف الفاكهة بعد نضجها، ووضعها في صناديق خاصة بعد انتقاء الصالح منها، وإبعاد الفاسد الذي لا يطابق المواصفات الجيدة. وقد ثبت أن استخدام الروبوت الآلي في هذه الأعمال أقل تكلفة من العمالة البشرية.
تنفيذ المهام
وبالرغم من كل الاستخدامات العبقرية والمبتكرة للإنسان أو الروبوت الآلي إلا أنه لا يعدو أن يكون آلة صنعها ويتحكم فيها الإنسان، ويوجهها كيفما شاء. ويقوم الروبوت الآلي بتنفيذ المهام المكلف بها فقط دون أن يتعداها. وقد أيقن العلماء أن الروبوت الآلي له فوائد كبيرة، يخدم بها الإنسان؛ إذ يعمل على الحفاظ على حياة الإنسان، وعدم تعريضها للخطر أو الإصابات والأمراض المختلفة، كما أنه يوفر الوقت والجهد على الإنسان، كما أنه يعمل على خدمة الإنسان وأداء الأعمال الشاقة والدقيقة؛ وبالتالي فهو يوفر المال، ويقلل من نسبة توظيف الأيدي العاملة.
وسيركز مشروع "نيوم" على إيجاد أنواع من الروبوتات النوعية، التي تلبي حاجة المجتمع، وتؤمِّن الخدمات الضرورية والعاجلة له.