طائفية وصورة حصان.. ماذا صنع "الحوثي" في صنعاء التي يعرفها اليمنيون؟!

"بيت الثقافة" معرض للملابس.. و"الجندي المجهول" مقبرة.. و"الديمغرافية تتغير"
طائفية وصورة حصان.. ماذا صنع "الحوثي" في صنعاء التي يعرفها اليمنيون؟!
تم النشر في

برغم المقاومة المجتمعية، تُواصل مليشيات الحوثي تدمير معالم العاصمة اليمنية، وتحويلها إلى رمز طائفي مذهبي؛ حيث أقدمت على إزالة وتغيير كل المواقع التي ترمز إلى شخصية المدينة كعاصمة لكل اليمنيين، وأغرقت شوارعها ومساجدها والمباني العامة بصورة قادتها وشعاراتها الطائفية.

إلى ذلك، تُواصل الجماعة مساعي تغيير التركيبة السكانية للعاصمة، من خلال تمكين مشرفيها من الاستيلاء على مساحات كبيرة وبناء عمارات وأسواق تجارية ضخمة من الأموال التي يتم مصادرتها من المعارضين أو من بيع مؤسسات الدولة واحتكار تجارة الوقود وقطاع المقاولات والنقل.

وفي هذا السياق، حوّلت المليشيات الحوثية مبنى بيت الثقافة في صنعاء، الذي يُعد أحد أهم المعالم الثقافية في المدينة، إلى معرض لبيع الملابس والأحذية؛ في خطوة مثّلت صدمة للوسط الثقافي والسياسي معًا، وبررت تلك الخطوة بأنه معرض مؤقت يتم من خلاله بيع الملابس بأسعار رمزية؛ لكن ذلك لم يكن مبررًا لدى اليمنيين.

ووفق "الشرق الأوسط"؛ فقد سَبَق أن حولت مليشيات الحوثي المركز الثقافي بصنعاء الذي يعد أهم منشأة ومسرح للأعمال الثقافية والفنية في المدينة، إلى مقر للأنشطة الطائفية وإحياء ذكرى قتلاها.

وقد أتت هذه الخطوة بعد أن قامت المليشيات بتحويل منطقة النصب التذكاري للجندي المجهول في ميدان السبعين، إلى مقبرة لزعمائها، وأغرقته بالشعارات الطائفية، وهو الميدان الذي يرمز لملحمة هزيمة المشروع الإمامي على يد الجمهوريين في نهاية ستينيات القرن الماضي.

كما عبثت المليشيات بميدان التحرير في قلب العاصمة، وبه رمز انتصار النظام الجمهوري على حكم الأئمة في شمال البلاد، وقامت بتحويل «جامع الصالح» في ميدان السبعين إلى مقر للأنشطة المذهبية المتطرفة، بعد أن غيّرت اسمه؛ لأنه كان يحمل اسم الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

أيادي العبث الحوثية كذلك طالت مَعلمًا آخر من معالم العاصمة اليمنية؛ هو نادي الفروسية في جنوب المدينة، الذي كان قِبلة السكان والزائرين؛ حيث منحت مساحته لأحد المتنفذين، وقامت بنقل ما تبقى من الخيول الجائعة إلى منطقة "أرتل"، ووضعوها داخل مستودعات في منطقة قاحلة لا يوجد بها أي شيء؛ في حين كان النادي في موقعه السابق حديقة متكاملة تعج بالزوار وبالمطاعم ومحلات الألعاب والتسلية.

يقول "علي توفيق" (وهو اسم مستعار لأحد السكان): بعد أسبوع من العمل الشاق، قرر هو وعائلته قضاء الإجازة الأسبوعية في نادي الفروسية، فاشترى جميع الاحتياجات الخاصة بالرحلة، وبسعادة غامرة استقل السيارة مع أطفاله.. كان يتحدث معهم عن النادي كأحد الأماكن التي كان يذهب إليها منذ سنوات، ويصف صالة لعب "البلياردو" والمطاعم والحديقة التي يلعب بها الصغار وساحة خاصة بركوب الخيل.

الطريق طويلة بين شمال صنعاء وجنوبها حيث يوجد النادي، وكانت مليئة بالكثير من المتعبين في كل تقاطع، كما ينتشر فيها المتسولون والأطفال والنساء، والباعة المتجولون؛ لكن المفاجأة كانت عند وصولهم بعد ساعة ونصف الساعة من السفر؛ إذ لم يعد يعرف المنطقة التي أصبحت شوارعها مليئة بالحفر ودون إسفلت؛ فاضطر للسؤال عن النادي وسلك شارعًا خلفيًّا؛ حيث وجد منطقة قاحلة خالية من أي علامة لأي حديقة، باستثناء البوابة الرئيسية، تعتليها صورة حصان غطاها الغبار.

دخل الرجل مع أبنائه إلى الموقع؛ فوجد نفسه أمام مجموعة من الأحجار والأتربة وسور متهالك تستند إليه مجموعة من المسلحين الحوثيين يتناولون نبتة "القات"، وحين سألهم عما إذا كان هذا هو نادي الفروسية رد أحدهم ضاحكًا: "أي نادٍ وأي فروسية؟! لقد نقلناه منذ زمن طويل".

وفي الموقع الجديد الذي اهتدت إليه الأسرة، كانت الصدمة مضاعفة؛ مكان قاحل آخر، خالٍ من أي شيء له علاقة بالأندية أو الحدائق، كانت مجرد قطعة من الأرض شُيِّد في أطرافها مستودع صغير، وإلى جانبه طاولة وأربعة مقاعد وست غرف متجاورة كان من المفترض أن تخصص للأحصنة؛ لكنها فارغة؛ ومع ذلك قام أحد المتنفذين في المليشيات ببناء معمل لإنتاج الطوب الأسمنتي في جزء كبير من المساحة. عندها قرر "علي" وأسرته العودة من حيث أتوا.

عبدالله حسن، أحد ساكني صنعاء، يقول: "هناك توجه لتغيير معالم المدينة، لم تعد صنعاء بمعالمها المعروفة؛ فكل شيء يتم تدميره وطمس هوية المدينة الجامعة لكل اليمنيين وتحويلها إلى كانتون طائفي سلالي".

ويضيف: "إن المدينة القديمة (صنعاء التاريخية) تمتلئ بالشعارات الحوثية، والمساجد تحولت إلى مواقع للتحريض المذهبي وتكريس العنصرية والسلالية، مع وجود تغيير ديموغرافي ملموس؛ حيث ظهرت فجأة طبقة من الأغنياء يشترون مساحات كبيرة من الأراضي ويبنون عمارات فخمة وأسواقًا تجارية حديثة؛ بينما غالبية الناس يعانون من الجوع ويعيشون على المساعدات التي تقدّمها المنظمات الإغاثية".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org