لغط كبير وواسع، شهدته الساحة الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، بعد التصريحات المسيئة التي أطلقها مقدِّم البرامج الترفيهية اللبناني جورج قرداحي بحق السعودية والإمارات وبقية دول التحالف العربي، واتهامه هذه الدول بالاعتداء على الشعب اليمني، إضافة إلى غير ذلك من الأكاذيب والترهات التي تكشف جهله بالشأن السياسي، ورغم ذلك تمسَّك بها، ورفض الاعتذار عنها؛ وهو ما أدخل حكومته وبلاده في أزمة كبيرة، ولاسيما بعد الخطوات الأخيرة التي اتخذتها السعودية والإمارات والبحرين والكويت واليمن بسحب سفرائها من بيروت، وطرد سفراء لبنان من أراضيها.
وحتى لا يظن البعض أن هذه الحالة هي الأولى أقول إن تطاول بعض المذيعين العرب على السعودية موجودٌ منذ فترة، ومعظم هؤلاء المتجاوزين من الذين كانوا في دهاليز النسيان قبل أن يعملوا في فضائيات مملوكة للسعودية، أظهرتهم وقدمتهم للجمهور، ولما برزوا ونالوا الشهرة لم يجدوا غير السعودية ليحاولوا الإساءة إليها.
مَن الذي كان يسمع بجورج قرداحي قبل أن يظهر على شاشة MBC ليقدم برنامج (من سيربح المليون)، ومن بعده ليقدم برنامج (المسامح كريم) على فضائية أبو ظبي؟ هذه الفرصة هي التي منحته الزخم الإعلامي؛ ومن ثم اكتسب ذلك الحضور الذي جعله أحد أبرز مَن يقدِّم تلك النوعية من البرامج.
وبغض النظر عما تفوه به فإن هناك سؤالاً عفويًّا يتبادر إلى الأذهان: أليس شبابنا وكوادرنا المتميزة في المنصات الإعلامية المحلية والإقليمية أولى بهذه الفرص التي نوزعها يمنة ويسرة؟ أليست مؤسساتنا الأكاديمية قادرة على تخريج طواقم إعلامية متمكنة؟ لماذا نحرص على مساعدة الآخرين الذين ما إن يبدؤوا في الانتشار ويعرفوا طريق الشهرة حتى يسارعوا إلى عض اليد التي أحسنت إليهم؟ أما آن لإعلامنا أن يتسعود؟
للأسف الشديد، ما زلنا نتعامل بسلبية وعدم مبالاة مع قضية توظيف الكوادر الوطنية وتوطينها في مجال الإعلام، رغم أنها تمثل السلطة الرابعة للدول بشكل عام، كما تمثل حجر الزاوية في الدفاع عن بلادنا، وصيانة حقوقها ومكتسباتها، وكف الأذى الذي يحاول الكثيرون إلحاقه بنا.
هذه ليست دعوة للانكفاء على الذات، ومنع الخير عن الآخرين، لكن على الأقل كما يقول المثل (ما يحك جلدك مثل ظفرك). ودعونا ننظر إلى الفضائيات المملوكة لشركات سعودية، ونحصر عدد الكوادر الوطنية العاملة فيها، فمن المؤكد أنها لن تتجاوز نسبة 10% على أكثر تقدير.
نعم، نحتاج للكوادر ذات الخبرة من الجنسيات الأخرى، ولا مانع من الاستعانة بهم في نطاق التعليم والتدريب وصقل المهارة المهنية لدى أبنائنا إن لزم ذلك، لا أن يتم تسيُّدهم المشهد الإعلامي وجعلهم واجهة له.
صناعة الإعلام في الوقت الحالي من أهم ما تدافع به الأمم عن مصالحها، وتصون به مكتسباتها، ونحن في السعودية، ولاسيما في ظل ما تشهده بلادنا من تحولات مفصلية في مجال الاستثمار وتطوير الاقتصاد، وجهود تحويل الرياض إلى مركز مالي عالمي، بأشد الحاجة إلى تطوير كوادرنا الإعلامية حتى نكون أكثر قدرة على الترويج للفرص الاستثمارية الكبيرة التي تنعم بها بلادنا، وتسليط الضوء على الخطوات التي قطعتها السعودية لتطوير بنيتها التشريعية والقانونية التي تلبي احتياجات الشركات العالمية ورؤوس الأموال الأجنبية.
هذه المهمة لن نكون قادرين على القيام بها وإنجازها على الوجه الأكمل ما لم تكن كوادرنا الإعلامية على أعلى مستويات الكفاءة والمهنية، وخصوصًا في مجال الإعلام المرئي بعد التراجع الملحوظ للصحف الورقية، وسطوة وسائط الإعلام الجديد.
وعلى الفضائيات المملوكة لشركات سعودية إدراك أنها مطالَبة - مع مساعيها المشروعة إلى تحقيق الأرباح – بالإسهام في تطوير وتأهيل عناصر إعلامية قادرة ومؤهلة.