قال المحامي المتخصص بقانون الضريبة نشمي العتيبي: إن التستر التجاري هو أكبر منبع للتهرب الضريبي، ومكرمة الدولة الأخيرة بإعطاء المخالفين فرصةً هي بادرة حسن نية على المتسترين استثمارها، فالعقوبات لا ترحم، فالتستر جريمة اقتصادية خطرها متعدٍّ على النظام الاقتصادي والأمني والاجتماعي، خاصةً أن الضريبة ترمي لتحسين الاقتصاد وزيادة الإيرادات غير النفطية، ولحرص المملكة على التقدم في المؤشرات الاقتصادية العالمية التي تصدر عن البنك الدولي عززت النظام الضريبي بالاتفاق مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على نظام ضريبة القيمة المضافة أو ما يسمى ضريبة السلع والخدمات.
وأضاف: "هذا النظام تميّز عن النظم الأخرى بانتشاره السريع في كثير من الدول؛ لخصائصه العديدة في معالجة المشاكل الاقتصادية وسهولة تطبيقه، وسعت تلك الدول لجعل النظام مكتمل العناصر عبر الاتفاقات الدولية المختصة بالضريبة، وعمدت المملكة إلى إصدار جملة من التعاميم المتوافقة لمراقبة تطبيق النظام، والعمل على تحسين الامتثال الضريبي لدى المكلفين، إلا أن هناك دراسات أجنبية تؤكد على عدم وصول النظام عالميًّا لصورته الشاملة، وصعوبة تجنب عدم الامتثال الضريبي؛ مما يتسبب في الكثير من الخسائر في الإيرادات".
وتابع: "عدم الامتثال الضريبي يخلق مشكلة لا يمكن علاجها إلا بمعرفة التحاليل الإحصائية التي تصدر بشكل دوري بنسبة المكلفين المخالفين، ولعدم توفرها يمكننا استخلاص العوامل المؤثرة في الامتثال الضريبي من خلال فهم فلسفة تطبيق القوانين والنظم الاقتصادية المصاحبة، والتي يمكن حصرها في أربعة عناصر هي: الغرامات والعقوبات، والمساواة، وشخصية المكلف، ومدى الرضا عن الجهة التنفيذية المخولة بتحصيل الضريبة".
وقال: إن "الغرامات والعقوبات من أدوات الردع التي تساعد في تقليص نسبة عدم الامتثال الضريبي بإلزام المكلف بتطبيق النظام، بالإضافة إلى العمل على تفعيل آلية التبليغ الذاتي عن الإقرارات الخاطئة، وستسهم بعدم تكرار المخالفة، كما يمكن الاستدلال بها عن نية المكلف؛ إذ إن العقوبات لا تصدر إلا بعد اكتمال أركانها، وبطبيعة الحال يخشى المكلف أن تقع عليه وتتسبب له في فقد السمعة والثقة في التعامل مع الآخر".
واستطرد: "كما أن المساواة في المعاملة لجميع المكلفين على حدٍ سواء تخلق بيئة صحية في الامتثال الضريبي؛ حيث يُحظر على الجهة منح مزايا للمكلفين دون آخرين، كأنْ تُمنح شركات بعض الامتيازات دون غيرها، وهذا سيؤدي إلى الإخلال في المنافسة العادلة للسوق، ومما يجعل الشركات الأخرى تحاول في عدم الامتثال ضريبيًّا؛ كونها ترغب في الحفاظ على مستهلكيها".
واستدرك قائلًا: "على الصعيد الآخر تلعب شخصية المكلف دورًا مهمًّا في الامتثال الضريبي؛ ففي بعض الشخصيات تعمد إلى مخالفة القانون، وهذا ليس بمستغرب؛ كأن يقوم بإيقاف مركبته في مكان مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة، أو تجاوز الإشارات المرورية، هذه الشخصية تملك سلوكًا أنانيًّا، فعند تعارضها مع مصالحها الفردية سوف تسعى لمخالفة النظام الضريبي توهماً منها بأن هذه الأموال هي حق لها".
وقال: "ولتجاوز هذه المعضلة يجب أن يكون هناك مراجعة مستمرة لأكبر عدد من المكلفين ومتابعة الإقرارات بشكل دوري والتأكد من صحة البيانات وحصر أكبر عدد من المتجاوزين، العوامل آنفة الذكر تحدد مدى رضا المكلف للجهة المخولة بتحصيل الضريبة".
وتابع: "كما أن الدفع بالعديد من المبادرات خلال الأزمات الاقتصادية يساعد المكلف على الامتثال الضريبي، ويرفع نسبة الرضا لدى المكلف؛ لأن بناء العلاقة الجيدة بين المكلف والجهة يساهم في ضبط الامتثال الضريبي، ومن الأمثلة الرائعة على ذلك: ما قامت به الهيئة العامة للزكاة والدخل بتفعيل العديد من المبادرات للمكلفين خلال أزمة COVID-19 التي بلا شك ساهمت في توطيد العلاقة بين الهيئة والمكلفين".
واختتم حديثه بالقول: إن "معرفة تلك العوامل والعمل على فهمها ودراستها لزيادة كفاءتها والاهتمام بجوانبها يدفع إلى رفع نسبة الامتثال الضريبي بين المكلفين ويساهم في نماء عمل الجهة بتحسين جودة الأداء وتفادي الخسائر في الإيرادات الواجب تحصيلها".