إلى أي مدى استثمرت السعودية قوتها الناعمة؟

إلى أي مدى استثمرت السعودية قوتها الناعمة؟
تم النشر في

كثيرًا ما نقف مدهوشين عند سماعنا لبعض المصطلحات الجديدة، ولربما نضع تفسيرات لمعناها من عندنا، ونؤلف مفاهيم من ابتكاراتنا، ومن تلك المصطلحات "القوة الناعمة" التي زاد تداولها في الآونة الأخيرة وبحسب مؤسس هذا المفهوم البروفيسور جوزيف ناي يقول: إن القوة الناعمة سلاح مؤثر يحقق الأهداف عن طريق الجاذبية والإقناع بدلاً من الإرغام أو دفع الأموال"، إذن نحن أمام مصطلح يقلب الموازين وينسف بعض النظريات والتي تشير إلى غلبة القوة العسكرية، ويؤكد المراقبون السياسيون أن جدار برلين أصلاً نُسف من خلال وسائل الإعلام، كالتلفزيون والسينما قبل زمن طويل من سقوطه في عام١٩٨٩م وتمكنت القوة الناعمة من اختراق الجدار وهدمه كبديل ناجع عن الجرافات.

وهنا نتساءل: هل هذه القوة تمتلكها فقط الدول المتقدمة؟ أم أنها حق مشاع لجميع الدول حسب إمكانياتها وثرواتها وثقافتها؟

‏ترجح الإجابة بأن دولاً صغيرة لديها أيضًا قوة ناعمة متى تمكنت من استثمارها، لأن القوة الناعمة تتغلغل في كل تفاصيل الحياة العلمية الفنية الثقافية الاقتصادية الصناعية والسياحية، إلا أن السؤال الذي يقفز إلى السطح: كيف يمكن الترويج لتلك المقومات؟

وهنا بيت القصيد، إذ للإعلام دوره الحيوي في التأثير سواء من خلال السينما أو التلفزيون أو الصحافة أو وسائل التواصل السريعة، وما كنا ندرك بأن تركيا كانت تروج وبامتياز عن القطاع السياحي من خلال المسلسلات المدبلجة، وقد تهافت الكثيرون إلى تركيا بهدف الاستثمار السياحي، حيث كانت تلك المسلسلات، غزواً فكرياً ممنهجاً، لمّعت صورة تركيا، ويقف خلف هذا العمل حزب العدالة والتنمية حيث قام بالتخطيط وتخصيص الميزانيات الضخمة تحقيقاً لأهداف مرسومة، لهذا نلحظ بأن بعض الدول تنبهت إلى أهمية هذه القوة وتأثيرها الكبير، ومن بينها الإمارات العربية المتحدة، حيث بادرت في تأسيس مجلس القوى الناعمة، أعضاؤه من كبار قيادات الدولة لتطوير استراتيجية شاملة الجوانب العلمية الثقافية والفنية والإنسانية والاقتصادية، وفي ذات الوقت أطلقت مهرجانات للتسوق وأقامت معارض عالمية وبنت ‏فنادق فخمة وكرست اهتمامها من أجل الجذب السياحي، والهدف واضح هو السعي لترسيخ وجودها لدى الشعوب في المحيطين الإقليمي والعالمي، هنا نخلص بأن القوة الناعمة أحد المفاهيم الكبرى في أدبيات العلوم الاجتماعية والسياسية، ويقول مؤسسها جوزيف ناي: إنها – أي القوة الناعمة - أكبر من مجرد التأثير في الآخرين بإقناعهم بالحجج، بل هي أيضًا القدرة على الجذب مما يؤدي إلى مرحلة الإذعان، هنا يصل بنا المسار بأننا نتفق بأن القوة الناعمة أضحت نمطًا أساسياً في كسب العقول وتطويع العواطف وتقديم النموذج الجذاب الذي يغري ويدهش، ووسائل الاتصالات الحديثة هي الأكثر تأثيرًا في إيصال ما توده القوة الناعمة، فالحواجز الجغرافية مهشمة، ووسائل الإعلام الرسمية متهالكة، هنا لابد أن يدرك القائمون ‏على وسائل الإعلام الرسمية أهمية التخطيط الجيد مع الاستفادة من الكفاءات العالية لوضع سياسة تتناغم مع الأحداث الداخلية والخارجية، وإذا عدنا إلى مصادر القوة الناعمة في المملكة لوجدنا ثمة مزايا جعلت السعودية ذات ثقل سياسي واقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، أهمها المكانة الدينية، حيث شع من أراضيها نور الإسلام لينتشر في أصقاع الدنيا، ووجود الأماكن المقدسة، فهي الرابط الروحي لقلوب المسلمين أيًا كانوا، فالحرمان الشريفان مهوى أفئدة أكثر من مليار ونصف مليون، فضلاً عن الحجاج والزوار والذين يقدر عددهم سنوياً ما يزيد عن ٤١ مليون زائر، وهي فرصة لاستثمار هذه الأعداد الضخمة بأن يكونوا وسيلة ناجحة لنقل الوجه الناصع المملكة وبعث رسالة بيضاء للعالم..

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org