لم تترك إيران بانتهاكاتها المتكررة لحرية الملاحة في الخليج العربي، أي خيار آخر أمام دول العالم سوى اللجوء لخيار الردع باستعمال القوة لحماية مصالحها في هذا الممر الحيوي، الذي يعد أهم شريان نفطي في العالم، والذي تمر فيه قرابة 30 في المائة من إمدادات العالم من النفط الخام، أو ما يعادل 18.5 مليون برميل من النفط يومياً، وفي هذا السياق تندرج موافقة الملك سلمان على استقبال السعودية قوات أمريكية لرفع مستوى العمل المشترك في الدفاع عن أمن المنطقة واستقرارها وضمان السلم فيها.
تحدٍّ خطير
فالعالم أمام تحدٍّ أمني خطير يفرض على دوله مجابهة الخطر الإيراني، الذي يضر بمصالحها الاقتصادية، والقرار السعودي بالتعاون مع الولايات المتحدة في ردع إيران عن التمادي في تعريض المصالح الدولية للخطر، يعادل في دوافعه تحرك واشنطن وبريطانيا بتكثيف وجودهما العسكري في مياه الخليج، وكلا الموقفين السعودي، والأمريكي البريطاني يقعان ضمن دائرة رد الفعل على التهديدات الإيرانية، وليس المبادأة به، فإيران تتعمد زيادة التوترات فوق مياه الخليج من جانب واحد، ولقد وصل تماديها في هذه الناحية مستوى يستوجب الردع العاجل.
والسعودية وأمريكا وبريطانيا ليست وحدها في هذا المضمار، فهناك دول أخرى قررت التصدي للرعونة الإيرانية باستعمال القوة، ومن تلك الدول الهند التي كشف اثنان من مسؤوليها لـ"رويترز" قبل نحو يوم أن سفينتين حربيتين هنديتين مكلفتين بمرافقة السفن التجارية ستبقيان لفترة أطول في الخليج، مع تصاعد التوتر الذي تثيره إيران، فالسعودية تتصرف بمقتضى حمايتها لمصالحها المتضررة حالياً جراء انتهاكات إيران، ومنها استهداف ناقلتي نفط في المياه الاقتصادية للإمارات الشهر الماضي، وتتصرف أيضاً في ضوء الدور الذي تتحمله في الحفاظ على الأمن الإقليمي، وكلا الدافعين يوفر المشروعية الكاملة للقرار السعودي باعتباره دفاعاً عن المصالح، وفي جوهره دفاع عن النفس ضد الخطر الإيراني، وذلك ما يقره القانون الدولي والشرائع كافة.
واستعراض الانتهاكات الإيرانية في استهداف ناقلات النفط في مياه الخليج والعابرة لمضيق هرمز، كفيل بتوضيع أبعاد الخطر الإيراني الحالي، واحتمالاته المستقبلية إذا لم يجابه بردع دولي حازم يوقف تهديده لمصالح العالم، ففي الشهر الماضي استهدفت إيران أربع سفن خلال وجودها في المياه الاقتصادية للإمارات، وبعدها بأيام اعتدت على سفينتين إحداهما يابانية أصابتها بطوربيد أشعل فيها النيران، والأحد الماضي اختطفت ناقلة نفط أثناء مرورها في مضيق هرمز، واضطرت إلى الاعتراف بالجريمة، بعد أن تحدثت وكالة "أسوشيتد برس" عن اختفائها، وأمس احتجزت إيران ناقلة نفط بريطانية واقتادتها عنوة إلى أحد موانئها.
قرصنة صريحة
ويشير ما سبق إلى اعتداءات متكررة ومباشرة لإيران على حرية الملاحة في الخليج، والملاحظ في هذه الاعتداءات تصاعد الممارسات الإيرانية المصاحبة لها، فمن الاستهداف السري للسفن بالألغام البحرية إلى احتجازها واختطافها علناً، وأخذها رهائن لديها؛ لمساومة دولها عليها، وتلك قرصنة صريحة تعتمد على السطو المسلح على السفن، وتعطيل حركتها والإضرار بمصالح دولها، ولا خيار أمام دول العالم سوى مواجهة إيران وردعها ووقف عربدتها، باعتبار أن قرصنتها تمثل بغياً وعدواناً، وعلى الباغي تدور الدوائر.
وينسجم الموقف السعودي في التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، في ردع إيران تماماً مع هذا التحدي الذي بات يفرض نفسه بقوة الآن، ولا ينفصل القرار السعودي في جزء من دوافعه في هذه الناحية عن غاية إرسال رسالة جدية لإيران بأن تماديها في تهديد حرية الملاحة في الخليج العربي سيجابه بالقوة، التي أصبحت خياراً قائماً بالفعل لاسيما مع ما أعلنته القيادة المركزية الأمريكية اليوم حول تطوير مجهود بحري متعدد الجنسيات، يحمل اسم "عملية الحارس"، لزيادة المراقبة والأمن في المجاري المائية الرئيسية في الشرق الأوسط وضمان حرية الملاحة، وتأكيدها -حسب ما جاء في بيانها- مواصلة المسؤولين الأمريكيين التنسيق مع الحلفاء والشركاء في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط حول التفاصيل والقدرات اللازمة لـ"عملية الحارس" لتمكين حرية الملاحة في المنطقة وحماية ممرات الشحن الحيوية.