حذَّر أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة المدرس بالمسجد النبوي كبير موجهي الدعاة بالمدينة المنورة، الدكتور صالح بن سعد السحيمي، من خطورة الفتوى من غير أهل لذلك، مبينًا أن الاستفتاء لا يجوز إلا من ولاة ولي الأمر وسماحة المفتي والمصرح لهم بالفتوى من كبار العلماء وهيئة الإفتاء.
واستوقفت "السحيمي" قصة لفتوى من غير علم، وأثر خطورتها والتهاون بها.. وقال الشيخ السحيمي: "اتصلت بي امرأة على الهاتف المجاني الخاص بالفتوى بمركز إجابة الدعوى بالمدينة المنورة قبل سنوات، وقالت (إن زوجي طلقني عشرات المرات، وفي كل مرة أسأله عن شرعية الطلاق، ويزعم أنه سأل شيخًا أفتى له بأن الطلاق لا يقع، وأنا الآن قلقة من أمري، وكلما جامعني زوجي ينتابني شعور بأنني أفعل معه الزنا)".
وأردف "السحيمي": "عندما سمعت هذا الأمر، واستمعت للزوج والزوجة، وسألت الزوج عن الطلاق الذي وقع منه، وعندما ذكر كيف، وذكر ثلاث واقعات، اتضح لي أن الطلاق وقع على زوجته شرعًا، وانطبقت عليها شروط وضوابط الطلاق من غير خلاف كما بيَّن أهل العلم، وقلت مَن أفتاك في ذلك؟ فقال (إمام مسجد)، فقلت كيف سألك في موضوع طلاقك، قال (سألني هل تحب زوجتك؟ قلت نعم. فقال هي حلال عليك). وعندما سألنا عن الشخص اتضح أنه إمام مسجد في المدينة المنورة، عندها تم إبلاغ وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالحالة، وتم اتخاذ اللازم حيال المسألة، وتطبيق الإجراءات النظامية مع إمام المسجد".
وشدد الدكتور السحيمي على خطورة الفتوى بغير علم مؤكدًا أنها تؤدي إلى منكر عظيم، وهو مما حرمه الله على عباده، وجعل مرتبته فوق الشرك، قال سبحانه {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}؛ فالواجب أن تؤخذ الفتوى من أهل العلم وكبار العلماء المصرح لهم بالإفتاء. وعلى طالب العلم أن يتقي الله، وأن يحذر من القول على الله بغير علم. وإذا كان هذا في حق طالب العلم فكيف بغيره؟! فلا يجوز لأحد أن يفتي بغير علم، لا رجل ولا امرأة، ولا طالب علم، ولا غيره.. يجب على المؤمن أن يتقي الله، وأن يخاف الله سبحانه، وألا يتكلم في الحلال والحرام إلا بعلم.. واستشهد بقول الله سبحانه {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ}.
وأضاف الشيخ السحيمي: إن أول ما يجب توافره في الفتوى لتكون محلاً للاعتبار اعتمادها على الأدلة الشرعية الصحيحة المعتبرة لدى أهل العلم. وأول هذه الأدلة كتاب الله تعالى، وثانيها سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فلا يجوز للمفتي أن يتعداهما إلى غيرهما قبل النظر فيهما، ثم الاعتماد عليهما، كما لا يجوز مخالفتهما اعتمادًا على غيرهما بعد أن بينَّا أن الفتوى هي الإخبار عن حكم الله، وأنها توقيع عن الله؛ لهذا كان إطلاق القول بالحل أو الحرمة من غير ضوابط افتراء على الله القائل في محكم كتابه: {وَلا تَقُوْلُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ. إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}.
وذكر الدكتور السحيمي أن "ضوابط الإفتاء كثيرة، سوف نذكر أهمها، ومن أهم ضوابط الفتوى أهلية المفتي؛ إذ إنه لما كان الإفتاء إخبارًا عن حكم الله، وكانت الفتوى توقيعًا عن الله، فلا بد للمتصدر للفتوى أن تتحقق فيه الأهلية الشرعية".
وقال الدكتور السحيمي: ومن الضوابط الإخلاص في القول والعمل، والخوف من الله، والتقوى، والعلم بكتاب الله وسُنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، يرتكز عليهما المفتي، والاعتماد على الأدلة الشرعية، والإجماع حجة شرعية.. فيجب اتباعها، ولا تجوز مخالفتها. والحكم الثابت بالإجماع حكم شرعي قطعي، لا مجال لمخالفته. ومن ضوابط الفتوى أيضًا العلم بموضوع الاستفتاء".
جاء ذلك خلال الندوة التي نظمها فرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمنطقة مكة المكرمة، ممثلة بمركز الدعوة والإرشاد بمكة المكرمة، بالتعاون مع المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في الشرائع بعنوان "الفتوى.. أهميتها وخطورتها وضوابطها" في جامع العساف، بحضور المدير العام لفرع الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمنطقة مكة المكرمة فضيلة الشيخ الدكتور سالم بن حاج الخامري، والدكتور عبدالله الجوبيري المساعد لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد بفرع مكة المكرمة.