
يروي الكاتب الصحفي محمد المزيني قصة الفتاة السعودية المبتعثة (س)، منقبة جامعة مانشستر، التي كانت تدرس للحصول على درجة الدكتوراه، وتقوم بالدعوة إلى الإسلام في حافلات مدينة مانشستر، والتي تحمل طاقة إيمانية إيجابية تنعكس على كل تصرفاتها الواثقة بالله أولاً ثم في نفسها، مما ترك أثراً عميقاً في كل من حولها، ورفع أرصدة احترام الآخرين لها، حتى إن المسؤولة عن إدارة مركز الدراسة والبحث بالجامعة، منحتها ساعتين إضافيتين بعد موعد الإغلاق، أفاد منهما الباحثون الآخرون، ويخلص الكاتب إلى أن هذه المبتعثة وأخريات سبقنها كحياة سندي وماجدة أبورأس وغادة المطيري والكثير غيرهن هن من يمثل السعودية باستحقاق وجدارة، وليس "النطائح والمترديات" اللاتي يتم استخدامهن واستغلالهن في ألعاب السياسة.
دكتوراه بامتياز لمنقبة جامعة مانشستر
وفي مقاله "بناتنا لسن كـ (المتردية) و(النطيحة)" بصحيفة "الحياة"، يقول المزيني: "الطالبة الوحيدة التي رأيتها في مانشستر (متلفعة) بالسواد لا يرى منها سوى بصيص من بريق عينيها، هي طالبة سعودية لدرجة الدكتوراه في تخصص علمي دقيق، وقد أحرزت نجاحات لافتة في أبحاثها الصغيرة قبل أن تحقق طموحها في نيل شهادة الدكتوراه، التي نالتها لاحقاً بامتياز، وقبل أن أسترسل في قضية المقالة سأسرد لكم طرفاً من حكايات الطالبة السعودية المبتعثة في جامعة مانشستر.. هذه الطالبة المنقبة لم تثر الذعر في مجتمع تأثر بدعاية (الإسلاموفوبيا) بعد هجمات الـ11 من سبتمبر، بما ألحق بالإسلام والمسلمين من صفات سيئة على رأسها الإرهاب، ما عرض المسلمين هناك إلى كل أنواع الضغط والتعدي النفسي والجسدي وهذا ما لم يحدث مع الطالبة السعودية المنقبة (س) لماذا؟ سؤال محير! هل كان للطاقة الايجابية التي تحملها وتنعكس على كل تصرفاتها الواثقة بالله أولاً ثم في نفسها أثر عميق رفع أرصدة احترام الآخرين لها؟".
تدعو للإسلام في الحافلات
ويمضي المزيني راوياً: "هذه المبتعثة المنقبة المجللة بالسواد تمتلك سيارة قبل أن يؤذن لبناتنا بقيادة السيارة، ومع ذلك تركنها أحياناً أمام سكنها وتترجل ماشية إلى موقف الباصات ليس من عجز أو خوف؛ لماذا إذاً؟ كنت أراها تصعد ذات الباص الذي أستقله ما أتاح لي الفرصة لأشبع فضول تطفلي، ذات نهار توقف الباص وركبنا جميعاً، ظلت الفتاة السعودية المنقبة (س) في الأخير، ظننت أنها تريثت قليلاً كي لا تزاحم الرجال فيقع المحظور، إلا أن تخميني كان خاطئاً، فحالما صعدت ألقت التحية على سائق الباص الذي لا يطيق عادة الوقوف أمامه لفترة أطول من المدة المقدرة للجلوس في المقعد وهو ما لا يسمح به النظام، ما حدث أن السائق استأنس لروحها المشعة، فأمهلها قليلاً، لتشد انتباه الركاب إليها متحدثة بصوت رائق ومطمئن بكلمة عجلى حركت دماء الركاب في ذلك البرد القارس، وقد شنفوا آذانهم لسماع المرأة المقنعة الغريبة، تحدثت بكلمات مختصرة ومرتبة وبلغة نقية عن أيقونات خمس تمنح الإنسان الطاقة التي يحتاجها لحياة آمنة ومستقرة هي (الأخوية، والسلام، والسكينة، والتسامح، والحب) التي جاءت بها الأديان، لتنعطف سريعاً للحديث عن ترسيخ الإسلام لهذه الأيقونات الخمس، بها ختمت كلماتها المختصرة، فتقادحت أعين الركاب وهم يرمقونها بكثير من التعجب! خطت إلى كرسي على مقربة من السائق فنادتها إحدى السيدات للجلوس إلى جانبها، وقد أثارت في رأسها أسئلة لم تستطع الصبر من دون أن تسألها، سمعت همساتهما المقتضبة ما بين السؤال والإجابة".
غيروا ميعاد الإغلاق من أجلها
ويبدي "المزيني" دهشته لقوة وتأثير تلك الفتاة، حتى تغير مسؤولة مركز الأبحاث موعد الإغلاق من أجلها، ويقول: "رأيت المبتعثة (س) لاحقاً وقد أثارت فضولي أكثر في مركز الدراسة والبحث المجهز بطرفيات حاسوبية مخصصة للباحثين في الجهة المقابلة لجامعة مانشستر، وقد كان يطلب من الباحثين إخلاء المركز قبيل الساعة السادسة مساءً، إلا أن المسؤولة عن إدارة المركز منحت المبتعثة المنقبة ساعتين إضافيتين أفاد منهما الباحثون الآخرون، تساءلتُ: هل هذا الاحترام نابع من الطبيعة الإنكليزية؟ حتماً: لا؛ ففي بريطانيا عموماً ومانشستر خصوصاً يتعرض المسلمون هناك بين الفينة والأخرى لمضايقات وأحيانا لجرائم عنصرية، لم أجد سبباً مقنعاً سوى الطاقة الإيمانية الكامنة المغروسة في هذه الفتاة هي التي منحتها القوة وشرّدت كل مخاوفها في ديار الغربة، لتوطد علاقتها مع الناس وتفرض احترامهم لها".
هؤلاء يمثلن السعودية باستحقاق وجدارة
ويعلق "المزيني" قائلاً: "هذه ليست حكاية، بل حقيقة تشي بأن المؤمن الصادق مع نفسه ومع مبادئه لن يحتاج إلى من يحميه أو يدافع عنه، وهذ سر عميق من أسرار الثقة بالله ثم بالنفس، فهي ليست منقادة للآخرين ولا تمثل سوى نفسها في بلد يضع الحرية في مقدمة أي عمل، هذه الفتاة السعودية وفتيات أخريات آمن بأنفسهن وقدرتهن على العطاء وجسدن انتماءهن لوطنهن كان لهن الأثر العلمي الكبير في كثير من دول العالم، فهذه المبتعثة وأخريات سبقنها كحياة سندي وماجدة أبورأس وغادة المطيري والكثير غيرهن لحقن بها، كمشاعل الشميمري ومها المزيني هن من يمثل السعودية باستحقاق وجدارة، وهن اللاتي يعبرن بفصاحة العلم لا بخطل اللسان عن صورة الفتاة السعودية الحقيقية، لقد استشعرت الفتاة المنقبة (س) دفء النوافذ المشرقة على الإسلام الصحيح وعملت على الإعلاء من شأنه وتمثيله في غربتها ولسان حالها يقول: أنا من بلاد الحرمين".
عن النطائح والمترديات
وفي المقابل يرصد "المزيني" نوعاً آخر من الفتيات، ويقول: "أما هؤلاء النطائح والمترديات على قلتهن وشذوذهن عن قاعدة المجتمع العريضة، فقد أصبحن وقوداً لسياسة الانتهازيين، وأدوات يتلاعب بهن بطريقة فجة وهزيلة من بلدان تعاني من أزمات اقتصادية وثقل الضرائب التي تضغط على شعوبها بما يجعلها عرضة للمظاهرات المدمرة، لم تلتفت إلى حل أزمة مئات الآلاف من المتشردين قاطني الشوارع ذكوراً وإناثاً، إضافة إلى الانتهاكات الإنسانية داخل مجتمعاتها حتى تستقطب بناتنا ليمثلوا دوراً مكشوفاً، ومع ذلك لم يتدخل أحد في شؤونها، حتى (جزيرة قطر) لا تنقل صورة واحدة لهؤلاء كما تبحث عن أدنى قضية مهما كانت ساذجة لتولول بها كالنائحات الأجيرات، وتقيم الدنيا ولا تقعدها لقضية مزورة لا تمت إلى الواقع بصلة، تحمّل الدولة برمتها وزرها، متجاهلة ما يقع للناس بشكل عام في دول أخرى من انتهاكات إنسانية، تستغلها بطريقة بشعة للانتقام من السعودية في وقت تشهد فيه تحولاً تاريخياً على كل الصعد، ومن أهما ما يتعلق بالمرأة التي اُنصفت ووُضعت في صف واحد مع الرجل، لتبدو المسألة برمتها أكذوبة ملفقة، أو لنقل على الوجه الصحيح «مدبرة»، ولكن على من ستنطلي؟ العالم ليس بهذا الجهل، فكندا التي تمارس ألعاباً سياسية مكشوفة باستغلال قضايا مواطنين سعوديين تجاهلت كل هذا وقد جاءت في التوقيت الخطأ، بينما هي تغفل تماماً عن قضايا إنسانية أهم وأولى، وبعدما فشلت وأيست من المبتعثين السعوديين المتفوقين لديها الذين حاولت رشوتهم وإبقاءهم لديها ليراهنوا عليهم في خلافها مع السعودية فلم ينصاعوا حباً في بلدهم، فاحترقت طبختها ولم تعثر سوى على المتردية والنطيحة تقدمها نماذج محترقة في قضيتها مع السعودية التي لا تزال تتعامل مع مثل هذه الحالات بما يليق بها.. وهذا ديدن الكبار".