كان والدي يؤكد دائمًا أن "التقوى ها هنا"، ويشير إلى صدره. كَبُرنا ورحل والدي قبل أكثر من عشرين عامًا، وبقيت نصيحته النبوية عالقة في ذهني. وحينما ظهر خوارج هذا الزمان كَثُر تداول حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن زمان يظهر فيه حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ورأينا ما فعلوه باسم الدين الذي لا علاقة له بسلوكياتهم، بل منها براء، تلاهم ظهور داعش، وقبلهما جماعة الإخوان وحزب الله السياسي، وبعض الفصائل السياسية التي تستخدم الدين وتعزف على وتره لاستدرار عطف الناس وتجييشهم باسم الدين في استغلال سافر لتدين الناس، وعبث بعاطفتهم الدينية، وقد استخدمت الدين مظلة، تظلل بها تصرفاتها، هذا إذا تحدثنا عن استعمال الدين مع القوة المادية لإزهاق روح أو تبرير جريمة أو استغفال آخرين.
كما أنه قبل بضع سنوات استقدمنا سائقًا من إحدى دول أوروبا الشرقية، وكان يتعمد الصلاة أثناء قيادة السيارة داخل المدينة، ويختفي بين الحين والآخر معللاً اختفاءه بأنه يصلي في المسجد في غير أوقات الصلاة؛ لنكتشف لاحقًا أنه يختفي ليدخن رغم أننا لم نمنعه من شيء، وهرب بعد إصدار إقامته! فما قيمة التدين إن لم يستقر في القلب والعقل؟ وهذا ما يحدث في الحياة العامة، فماذا عن عصر وسائل التواصل الاجتماعي؟ تذهلك بعض الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي بحجم تذكيرها بالله، ووضع الأدعية التي تجعلك تظن أنك في صحن الطواف في بيت الله الحرام، وتراهم في كل جمعة يذكّرون بأهمية الصلاة على النبي، وفي الحقيقة تصدمك حياة بعضهم الواقعية؛ إذ لا ترى منهم إلا سوء الأخلاق وبذاءة اللسان وعدم التورع عن إيذاء الآخرين أو سلب حقوقهم باختلاف درجتها.
الالتزام بالأخلاق النبيلة شكلٌ من أشكال الجهاد البشري، ليس بالضرورة أن تكون متدينًا لتتحلى بالخلق الحسن، فالتدين شأن بين المرء وربه، لكن أخلاقه التي تنعكس على سلوكه مهمة في تعامله مع الآخرين. الأقنعة التي يرتديها الناس لإظهار غير ما يبطنون ستكشفها المواقف، وتزيلها الأيام، فلا خديعة دائمة، ولا تزييف خالد.