يوميات توحيد المملكة .. كيف استُقبل الملك عبدالعزيز عند دخوله مكة بعد فتحها؟

قطع 15 متراً في نصف ساعة من شدة زحام المرحبين به
يوميات توحيد المملكة .. كيف استُقبل الملك عبدالعزيز عند دخوله مكة بعد فتحها؟

لم يقو جيش الشريف علي بن الحسين؛ -الذي تنازل له والده عن حكم الحجاز- على مواجهة جيش الملك عبدالعزيز خارج حدود مكة المكرّمة، ففر هارباً إلى جدة مع مجموعة من جنوده وتحصن فيها، وترك مكة في حماية قوة صغيرة من قواته آثر جنودها السلامة، فدخل جيش الملك عبدالعزيز المدينة دون قتال في أكتوبر 1924، وبعد أكثر من شهر وصل الملك عبدالعزيز إلى مكة المكرّمة في الرابع من ديسمبر، ودخلها معتمراً، ودلف في خشوع إلى البيت الحرام من باب السلام وأدى مناسك العمرة.

وتحظى مكة المكرّمة بمكانة مركزية وروحية في الإسلام؛ ما جعل من فتح الملك عبدالعزيز لها إيذاناً بزوال حكم الأشراف، الذين تصاعدت كراهيتهم في الجزيرة العربية، بسبب تسييسهم الحج، ومنعهم أبناء منطقة نجد وغيرها من أداء الركن الخامس للإسلام، وجعل من دخول الملك عبدالعزيز المدينة المقدسة حدثاً كبيراً في مسيرة توحيد المملكة، وهو ما وثقته صحيفة "أم القرى" في عددها الأول الصادر يوم الجمعة 15 جمادى الأولى 1343هـ، 12 ديسمبر 1924.

وسردت "أم القرى" دخول الملك عبدالعزيز المدينة المقدسة لقرائها في مشاهد حية نابضة بأجواء الحدث الكبير في تقرير حمل عنوان "وصول عظمة السلطان إلى أم القرى" جاء فيه "لم يؤذن عشاء يوم الخميس من ليلة الجمعة الثامن من شهر جمادى الأولى، إلا وقد بلغ ركاب سلطان العرب مكان السد بين جبل حراء وجبل ثقبة وأصوات الملبين من ركبه تتجاوب أصداؤها في الفضاء.

ولما بلغوا موقفهم ذاك نادى مناديهم فأناخوا وهم محرمون، ثم امتطى عظمة السلطان وبعض حاشيته خيولهم وساروا بها بين السرادقات التي نصبت في الأبطح وازدانت بالأنوار ابتهاجاً بهذا الزعيم العربي العظيم، ولما بلغت الخيول قريباً من المسعى ترجل عظمة السلطان ومن معه وساروا إلى الحرم من باب السلام، فدخلوه بخشوع وهيبة واحترام فطافوا وقد اضطبعوا أرديتهم ثم صلوا في مقام إبراهيم وخرجوا للمسعى فسعوا بين الصفا والمروة مشياً على الأقدام، ثم ذهب عظمته إلى منزل آل باناجه حيث كان الناس بانتظاره فيه، فدخل البيت وحل إحرامه ثم سار إلى المخيم.

وفي الصباح كنت ترى جموع الجند من الإخوان قد ملأت سهل الأبطح تنتظر خروج الإمام لرؤيته والسلام عليه، وكذلك جموع أهل مكة من أهل العلم والوجهاء والتجار تنتظر في السرادقات المنصوبة، سار الموكب السلطاني من مقره فاستعرض بالأبطح قسم الخيالة من جنده، ولما انتهت الخيالة تقدم الركب قليلاً حتى صار على بعد أمتار من السرادق المنصوب.

أناخ الإمام راحلته وترجل فأحاط به الإخوان من كل جانب وأقبلوا عليه يهنئونه بالسلامة وكثير منهم لم يره من قبل، فكنت ترى مآقيهم دامعة فرحاً وسروراً برؤياه ووجهوهم مستبشرة بطلعته البهية فمنهم من كان يصافحه بيده وقليل منهم من كان يكتفي بهذا؛ بل كانوا يقبلون أنفه الحمى وجبهة الأسد، وهو بين هذه الجموع المزدحمة حوله باش الوجه يتحمل هذا الزحام برضى وسرور. وكنت تلقى الواحد من هؤلاء الإخوان يقبل السلطان من جهة ثم يذهب ويعود إليه من جهة أخرى ولم يستطع الإمام أن يقطع خمسة عشر متراً إلى السرادق بأقل من نصف ساعة".

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org