في نظريات الصحافة الرئيسة برزت نظرية المسؤولية الاجتماعية بعد أن ظهرت الليبرالية كردّة فعل للنظرية السلطوية التي تُحاول تفسير فلسفة الإعلام. وتقوم فلسفة النظرية على أن ثمّة مسؤولية مُلقاة على عاتق وسائل الإعلام تجاه المجتمع وأهله، وهل المسؤولية تُحارب الإعلام المُنفلت والإعلام الذي يعاني السيطرتَيْن السياسية والاقتصادية؟
وقد ظهرت النظرية في أربعينيات القرن الماضي، وسبقها الدين الإسلامي في الحديث
المُتفق عليه: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيتِه". وقد سبق النصّ الديني التراث القبليّ في جزيرة العرب متمثلاً في سُقيا الحجاج الذين يفدون إلى مكّة؛ إذ رأى أهل مكّة أنهم مسؤولون عن ضيوف الرحمن وإكرامهم حينما ينزلون بوادٍ غير ذي زرع لم يخبروه.
الأعراف العربية الأصيلة، والإنسانية بشكل عام، تحضّ على المسؤولية الاجتماعية، وتدعو الفرد إلى أن يكون طرفًا في إصلاح وخدمة مجتمعه بما يمتلكه من إمكانات ومهارات. وقد حدّثتني صديقة بأن أحدهم تسبب لها في حادث سير قبل أسابيع عدة، وبعد أن ضُبط الحادث، وتم تقرير الخطأ عليها بنسبة 100%، ذهب المتسبب فيه إلى قسم المرور، وأخبرهم بأن طريقته في القيادة هي السبب الرئيس في وقوع الحادث؛ فتمت كتابة تقرير بالواقعة، وأن الخطأ على المتسبب الحقيقي الذي اعترف بمسؤوليته.
الفكرة اللافتة: ماذا لو كان جميع أفراد المجتمع كذلك يعترفون بالخطأ، مسؤولين عن تصرفاتهم، مُدركين لأسباب وجودهم الذي أساسه عمارة الأرض؟!
وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت بشكل كبير في التشديد على مسؤولية الأفراد في حماية المجتمع، وأنهم طرف مهمّ وركيزة أساسية في حمايته، ومتابعة المارقين عن حدود الأخلاق والقانون.
ويمكن أن نلحظ ذلك من خلال توجيه الرأي العام، وتقديم البلاغات للجهات المسؤولة؛ فجميع ذلك يعطي انطباعًا عن حجم الوعي، وإدراك أهمية المسؤولية الاجتماعية في حياة الأفراد، وحرصهم عليها.
الغريب أن مثل هذا الوعي يُفتقد بشكلٍ كبير في الحياة الحقيقية، فأين الخلل؟!