لم أقرأ في السنين الماضيات إلى وقتنا الحالي عن فتح باب التحقيق في قضية فساد مالي أو اختلاسات وسرقات ورشاوى واتهام بالتزوير في المستندات الرسمية والمحاضر، يكون المتهم فيها امرأة.. ففي الغالب يكون الرجل هو صاحب اليد الطولي - للأسف - في أحداث وقضايا كهذه، وصاحب الأولوية دونما منازع في هذا الخصوص؛ إذ لا يمر وقت طويل من الانتظار حتى نسمع أو نقرأ خبرًا من هذا النوع عن الرجل في الصحف المطبوعة ومثيلاتها الإلكترونية، تسلط الضوء على قضايا فساد مختلفة، ارتكبها الرجل؛ حتى انطبع في مخيلتنا أن من يمارس النصب والاحتيال والتعدي على الممتلكات والاستغلال الوظيفي وزيادة الرصيد بالطرق الملتوية وكل ما من شأنه أن ينطوي تحت هذه التعريفات والإيحاءات والمسميات.. هو الرجل دون غيره..!!
هل وصل الرجل لهذه الدرجة من الضعف أمام مغريات الحياة ومظاهرها، وأصبح أسيرًا لا يقوى على الصبر والصمود في ظل جبروت المال المسيل للدموع، ونوازع الرغبة في الثراء السريع المختصر والفاحش في آن معًا.. وأن تلك المرأة ذلك المخلوق الضعيف وحدها هي الأقوى في الصمود والحفاظ على سجلها وملفها الإنساني نظيفًا في هذا الجانب؟.. أم أنها - أي المرأة - لا تستطيع جبنًا وترددًا المغامرة والدخول في معترك هذا الطريق ونفقه المظلم للكسب غير المشروع، واستغلال الإمكانات حينما تلوح لها في الأفق أنصاف الفرص؟ أم أن مجال المرأة محدود ومسيج كثيرًا بالحكر؛ ليكون هو العائق الوحيد في عدم تمكنها من الدخول في قضايا النصب والتزوير والاحتيال والاختلاس والظفر بالمال الوفير على مضض..!!
إلى هنا أقول لماذا لا نجرب تسليم هذه المرأة الوظائف ذات العلاقة بالشؤون المالية ومسؤولية الصناديق والصرف والمحاسبة، وكل ما يتعلق بالتدقيق والأوراق المالية والمستندات والأصول النقدية، وتسليمها مأمورية المخازن وصلاحية الإشراف على المشاريع الخدمية والمناقصات وتوقيع العقود.. فهي كما يتضح - على الأقل من واقع سجلها - أكثر نزاهة ودقة، وتتميز بالخوف والحرص والرهبة من الوقوع في براثن الطمع أو حتى الشروع في استغلال المناصب للمصلحة الشخصية، فضلاً عن افتقارها من الأساس لدافع المغامرة، وعامل التأثر بأي شكل أمام كل المغريات..!!
في المقابل، وحتى لا نظلم الرجل، هل الطمع مرتبط به أم أن الحُكْم على الرجل فيه ظلم وإجحاف كبير، ولاسيما أن المرأة فرصها من الأساس ضئيلة جدًّا وشبه نادرة في تولي الوظائف المرتبطة بالمداخيل الاقتصادية والموارد المالية؛ وهو ما قد يجعل منها - فيما لو أتيحت لها فرصٌ من هذا النوع - "أكثر تهورًا وجنونًا من الرجل"؛ فتكثر في عهدتها قضايا الاختلاس والتزوير في المستندات والكسب غير المشروع بالطرق المتعددة؛ ما سيفتح ضدها الكثير من ملفات التحقيق وقضايا الفساد..؟!!