المفتي العام لـ"سبق": جماعة التبليغ "بدعة".. والحدود الشرعية ليست ضد "حقوق الإنسان" بل تحميها

قال إن التسامح والعدل يكونان مع المسلمين وغيرهم.. ووسائل التواصل لها منافع لكنها تُفسد الأخلاق
المفتي العام لـ"سبق": جماعة التبليغ "بدعة".. والحدود الشرعية ليست ضد "حقوق الإنسان" بل تحميها
تم النشر في

- المسلم لا يؤذي أحدًا.. وعلى العلماء البُعد عن الجدالات العقيمة والمهاترات

- السعودية انتهجت الإسلام المعتدل البعيد عن التطرف والغلو

- كرامة الإنسان من أصول الإسلام وقواعده وليست نظرية في الأذهان

- السعودية ملجأ المسلمين في العالم لحل نزاعاتهم ورفع مشاكلهم ومعالجة قضاياهم

- أكبر التحديات التي يواجهها المسلمون اليوم الجهل والفكر الضال

- ادعموا الجمعيات الخيرية لمساعدة إخواننا المسلمين وإغاثة الفقراء في المجتمع

- التكفير وتحليل الدماء وتخريب الأوطان وترويع الآمنين شوَّهت الإسلام أمام العالم

- العلماء في السعودية والدول الإسلامية يربطهم الإيمان ووحدة المرجعية والتوجه

- بلادنا تبذل أموالها بسخاء في كل مكان من غير تمييز بين طائفة وأخرى

- مَنْ يحارب دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب هو ضد الإسلام والعقيدة الصافية

- على أرباب الأموال والأغنياء دعم منصة "إحسان" لإغاثة المنكوبين ونشر التبرع

أجرى الحوار/ شقران الرشيدي - سبق (تصوير/ فايز الزيادي): خصَّ سماحة المفتي العام رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ، صحيفة "سبق" الإلكترونية بحوار موسَّع، تحدَّث فيه عن الكثير من المحاور المهمة، وأجاب عن العديد من التساؤلات والاستفسارات التي تُطرح، مؤكدًا في حديثه أن السعودية انتهجت المنهج الوسطي المعتدل قيادة ونظامًا منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين -حفظهما الله-؛ فالواجب على جميع المواطنين أن يكونوا أفرادًا صالحين؛ يحملون فكرة سليمة بعيدة عن الغلو والتطرف.

وكشف حقيقة دعاوى الدفاع عن الحريات التي تقوم بها بعض منظمات حقوق الإنسان، والإعلام الدولي، ومحاولة الطعن في الإسلام، وفي الحدود والتعزيرات التي شُرعت للحفاظ على كرامة الإنسان، وحفظ الأمن والاستقرار في المجتمع، وحمايته من الاعتداء عليهما.

فإلى التفاصيل..

جهود السعودية

** تبذل السعودية جهودًا في خدمة الإسلام وترسيخ الوسطية منذ تأسيسها حتى عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-. فما هو المطلوب من أفراد المجتمع لدعم هذا التوجيه؟

الواجب على سائر أفراد المجتمع أن يتمثلوا في سلوكهم وتصرفاتهم ذلك المنهج الوسطي المعتدل الذي انتهجته السعودية قيادة ونظامًا منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين -حفظهما الله-؛ فالواجب على جميع المواطنين أن يكونوا أفرادًا صالحين؛ يحملون فكرة سليمة بعيدة عن الغلو والتطرف، متحلين بالأخلاق الفاضلة، والخصال الحميدة، وأن يحملوا في أنفسهم روح التسامح والعدل والمحبة للناس، وحب الخير لهم، وتجنُّب الاعتداء عليهم في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم؛ فإن المسلم لا يؤذي أحدًا بلسانه ولا بيده. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم مَن سَلِم المسلمون من لسانه ويده".

مشاريع تنموية

** تتبنى السعودية مشاريع تنموية في كثير من الدول الفقيرة والمحتاجة من غير تمييز ولا تفريق بين جنس وآخر، أو طائفة وأخرى، وتسعى لتقريب وجهات النظر.. فكيف يمكن إبراز هذه الأعمال ودعمها؟

السعودية بما حباها الله من المكانة العالية؛ لكونها مأوى الحرمين الشريفين، ولكونها قِبلة المسلمين؛ تبوأت لهذا التميُّز مكانة سامية في قلوب المسلمين في جميع أنحاء العالم.. فالسعودية البلد الثاني لكل مسلم، يأوي إليها المسلمون لحل أزماتهم، ورفع مشاكلهم، ومعالجة قضاياهم.. والسعودية بدورها، ومن منطلق رسالتها الإسلامية والأخوية تجاه المسلمين، تمد يد العون والمساعدة لإخوانها المسلمين، ولا تألو جهدًا في جَمْع كلمتهم، ورأب الصدع بينهم، وحل نزاعاتهم، وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء منهم، وعقد الصلح والوفاق بين المتخاصمين والمتحاربين من مختلف الطوائف والأطراف. كما أنها تبذل أموالها بكل سخاء، ومن غير منة على أحد؛ لمساعدة إخوانها المسلمين في كل مكان من العالم من غير تمييز بين طائفة وأخرى، وجنس وآخر. وهذا أمرٌ معروف ومشاهَد من سياسة السعودية ومواقفها الثابتة تجاه المسلمين وقضاياهم، ودعمها، والدفاع عنها.. فينبغي على كل منصف الاعتراف بمثل هذه الجهود المباركة، والسعي الحثيث من قِبل السعودية لدعم المسلمين والوقوف بجانبهم.

العنف والكراهية

** على مستوى دول العالم كيف يمكن التصدي للعنف والكراهية، وترسيخ الوسطية والاعتدال، وحفظ الأديان والأوطان، وكرامة الإنسان؟

إن الإسلام دين يحافظ على كرامة كل إنسان بصفته إنسانًا، ويحافظ على حقوقه المشروعة؛ ليعيش في هذه الحياة كريمة عزيزة، مصونة نفسه وعرضه وماله.. والإسلام يعامل جميع الناس حتى غير المسلمين بالعدل والإنصاف والمعاملة الطيبة الحسنة، ولا يتعرض إليهم بسوء. فعلى المسلم أن يتمثل تلك المبادئ الأصيلة والخصال الحميدة والقيم المثلى من الاعتدال والوسطية والمعاملة الحسنة، والتخلق بأخلاق الإسلام الكريمة من التسامح والعدل والإنصاف والرحمة والإحسان إلى الناس جميعًا في أي بقعة من العالم، وفي أي مكان حلَّ فيه وعاش؛ حتى يكون أنموذجًا لأخلاق الإسلام العالية، ومبادئه السامية في التعامل والتعايش السلمي مع الناس جميعًا، سواء كانوا من المسلمين أو غيرهم؛ فلا يسبب لهم الأذى، ولا يعاملهم معاملة سيئة، بل يحترم دماءهم وأموالهم وأعراضهم.

العلماء والمفكرون

** ما أهمية دور العلماء والمفكرين الإسلاميين في تعزيز الجوانب الإيجابية في المجتمع والبُعد عن "المهاترات" والجدالات العقيمة؟

أناط الإسلام بالعلماء الربانيين وأصحاب الفكر السليم مسؤولية كبيرة؛ فهم مشاعل نور وبصيرة، يهتدي بنور علمهم سائرُ المسلمين في دروب حياتهم؛ ولذلك رسالتهم رسالة سامية، ودورهم في المجتمع فاعل وقوي؛ لأن لهم دورًا مهمًّا في توجيه الناس نحو الخير والصلاح، وتجنيبهم الانحراف والزيغ والضلال، وإبعادهم عن المعاصي والمنكرات وسيئ الأخلاق.. وقد نوه القرآن الكريم بشأن العلماء فقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}، وقال تعالى منوهًا بمقام العلماء ومكانتهم: {شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ}. وقال صلى الله عليه وسلم: "فضل العالِم على الجاهل كفضلي على أدناكم".. وغير ذلك من النصوص الكثيرة الواردة في فضل العلم والعلماء. فإذا كان العلماء بهذه المنزلة العالية والمكانة الشريفة فعليهم أن يدركوا ذلك، وأن يقوموا بمسؤوليتهم في التوجيه والإصلاح وبذل النصيحة خير قيام، وأن يبتعدوا عن الجدالات العقيمة التي لا تثمر نتائج إيجابية، ولا تنفع الناس في أمر دينهم ودنياهم، بل ربما أدى بهم ذلك إلى الاختلاف والتشتت والتفرق والتشرذم؛ وهو ما يُضعف شأنهم ومكانتهم بين الناس.

وسائل التواصل

** كيف يمكن استثمار وسائل التواصل الاجتماعي، وتوظيفها لنشر الخير والنفع في المجتمع؟

وسائل التواصل الاجتماعي إذا أحسن الناس استخدامها لها منافع كثيرة وإيجابيات عديدة في حياتهم الفردية والاجتماعية.. فتلك الوسائل إذا تم استخدامها بشكل سليم وإيجابي سيكون فيها الخير الكثير والنفع العميم بتسهل التواصل بين الناس، وتقريب المسافات البعيدة بينهم.. وهي وسائل قوية لنشر العلم النافع، والفضائل والأخلاق الكريمة، والشيم النبيلة، ونشر الفكر السليم بين الناس، ونشر الأخبار الطيبة التي ترسخ التفاؤل والاستبشار في أوساط المجتمع لطمأنة الناس، ونشر السلام والاطمئنان بينهم.. كما أنها وسائل مناسبة للدعوة إلى الله، والدفاع عن دين الإسلام، والدفاع عن الأحكام والمبادئ الشرعية، والرد على أهل الضلال والغواية والانحراف. وفي المقابل إن لم يُحسن الناس استخدامها بشكل إيجابي ومثمر ففيها أضرار عديدة، وسلبيات كثيرة؛ فهذه الوسائل بسلبياتها تضر بعقيدة الناس، وبأخلاقهم، وتربيتهم.. وبخاصة فئة الناشئة والشباب منهم. كما أن أعداء الإسلام يوظفون تلك الوسائل لإفساد أخلاق المسلمين وعقائدهم، والتشكيك في ثوابتهم ومُسلَّماتهم، وإثارة الشُّبَه والأباطيل بينهم؛ ولذلك فمن واجب العلماء والمربين والمسؤولين في المجتمع تحذير الناس من المخاطر والسلبيات الموجودة في تلك الوسائل، وعليهم نشر الوعي الصحيح بين الناس لتوجيههم نحو الاستخدام الأمثل لتلك الأجهزة فيما ينفعهم في أمر دينهم ودنياهم.

الشيخ محمد بن عبدالوهاب

** المتابع لما يُطرح يجد أن هناك حملة لتشويه صورة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ونشر المغالطات حولها، فما هي أسباب تلك الحملة وأهدافها؟

دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -كما لا يخفى على أي مطلع منصف- دعوة إلى صفاء العقيدة، والتوحيد الخالص، وإخلاص الدين لله –عز وجل-، ومحاربة الشركيات والبدع والخرافات في المجتمع المسلم، ونشر الإسلام الصحيح بينهم؛ فمن يحارب تلك الدعوة المباركة، ويحاول تشويه صورتها في أنظار الناس، لا شك أنه يريد بذلك محاربة الإسلام الصحيح، والعقيدة الصافية، والتوحيد الخالص، وإبعاد المسلمين عن دينهم وعقيدتهم وأخلاقهم؛ وبالتالي إضعافهم، وتفريق شملهم، ونشر الوهن والضعف بينهم؛ ومن ثم يحاول أن يجد مدخلاً عليهم في تحريف دينهم، ونشر العقيدة الفاسدة والبدع والخرافات بينهم. هذه هي أهداف مَن يريد تشويه صورة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية ومحاربتها.

الطعن في الإسلام

** بدعوى الدفاع عن الحريات تقوم بعض المنظمات والإعلام الدولي بمحاولة الطعن في الإسلام بحجج واهية وشعارات زائفة، ويعترضون على القصاص والحدود لأنها تنافي حقوق الإنسان. فما هو الرد لتفنيد حججهم؟

إن دين الإسلام لمن أعظم الأديان محافظة على حقوق الإنسان وكرامته، وقد جاء ذلك صراحة وبوضوح في كتاب الله –عز وجل-؛ إذ قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ...}؛ وبذلك فقد أقر الإسلام مبدأ كرامة بني آدم، وأن ذلك المبدأ أصل من أصول الإسلام وقواعده. وليس ذلك الأصل أمرًا نظريًّا مجردًا في الأذهان، بل جاءت تشريعات الإسلام العملية للحفاظ على هذه الكرامة الإنسانية بجميع أشكالها؛ فجاء تحريم الاعتداء على الإنسان بجميع صوره؛ فحرَّم دمه وماله وعرضه، ودعا إلى حفظ عقله وصيانة أخلاقه، والارتقاء به في مقام السمو الروحي والإيماني بتشريع العبادات المتنوعة لتحقيق هذا الهدف السامي.. فكان نظام الإسلام بحق نظامًا متكاملاً شاملاً لحفظ كرامة الإنسان على الحقيقة، وبالشكل الذي لا يوجد في أي نظام آخر إطلاقًا. أما تشريع الحدود وتطبيقها في المجتمع المسلم في تشريع رباني فقد جاء لحفظ حقوق الإنسان وكرامته، وحفظ المصالح العليا للمجتمع من تأمين الأمن، والاستقرار فيه.. فالقصاص جاء للحفاظ على حياة الناس من خلال قتل القاتل الذي جنى على حياة المقتول؛ قال تعالى في بيان الغاية من تشريع القصاص: {وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ يا أُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. وحدُّ الزنا جاء للحفاظ على الأنساب وأعراض الناس من خلال إقامة الحد على المجرم الذي جنى على عِرض المجني عليه، وليعتبر من ذلك الآخرون؛ قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}. وحد السرقة جاء للحفاظ على أموال الناس من خلال إقامة الحد على السارق الذي جنى على أموال الناس وممتلكاتهم؛ فيزجر بإقامة هذا الحد غيره ممن تسول له نفسه ارتكاب هذا الجرم؛ قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. وحد شارب الخمر جاء للحفاظ على عقول الناس مما يضر بها ويفسدها؛ قال تعالى مبينًا ما في الخمر من الأضرار: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}. وحد قاطع الطريق جاء للحفاظ على أمن المجتمع المسلم، وتحقيق سلامة الناس في طرقهم وفي تنقلاتهم وأسفارهم؛ قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.. وهكذا جميع الحدود والتعزيرات شُرعت للحفاظ على كرامة الإنسان، وحفظ الأمن والاستقرار في المجتمع، والقضاء على أسباب الشر والفساد والاضطراب بينهم؛ ليعيشوا في أمن وأمان وسلام واستقرار.. فالحدود لا تنافي حقوق الإنسان، بل جاءت للحفاظ على حقوق الناس وحمايتها من الاعتداء عليها.

علاقة تاريخية

** تربط علماء السعودية وعلماء المسلمين في الدول العربية والإسلامية علاقة تاريخية ووثيقة، فكيف يمكن تعزيزها في مواجهة الأفكار الضالة والمتطرفة؟

إن الإسلام أقام رابطة الأُخوَّة الإسلامية بين جميع المسلمين؛ فالمسلم أخو المسلم أينما كان، ومن أي جنس كان، ومن أي قبيلة كان.. فالمسلمون بمنزلة الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، كما جاء ذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم. ومن هنا فإن العلماء في السعودية، والعلماء في سائر الدول الإسلامية، تربطهم رابطة الإيمان والإسلام، وفوق ذلك تربطهم وحدة المرجعية الإسلامية ووحدة التوجه، وأنهم يحملون هموم الأمة والاهتمام بقضاياها، والدفاع عنها بكل قوة وطاقة ممكنة، والسعي في نشر العلم الشرعي والوعي الصحيح بينهم، ودعوتهم للتمسك بدينهم والتحلي بأخلاق الإسلام، وإخراجهم من ظلمات الجهل والضلال، وإبعادهم عن الغلو والتطرف والانحلال والانحراف.. فالواجب التعاون بين علماء الإسلام في جميع الدول الإسلامية لتحقيق هذه الأهداف المشتركة بينهم، من خلال تقوية العلاقات والروابط، وتبادل الآراء والأفكار والتجارب والخبرات بينهم؛ ليوظفوها في خدمة دينهم وأمتهم، ونفع إخوانهم المسلمين في كل مكان. ومن واجبهم كذلك التصدي لأصحاب الفكر الضال والمنحرف ممن غلوا في دينهم، واعتنقوا الفكر المتطرف البعيد عن روح الإسلام ومبادئه من التسامح والعدل واللين والرحمة بالناس، واحترام دمائهم وأموالهم وأعراضهم.. فعليهم أن يقفوا صفًّا واحدًا ضدهم، وأن يكونوا سدًّا منيعًا في مواجهتهم، وصدهم، ومنع إجرامهم.

منصة "إحسان"

** تهدف منصة "إحسان" الحكومية لنشر ثقافة التبرع، وتطوير العمل الخيري. ما هي كلمتكم لتوحيد الجهود والتعاون في المجتمع؟

تقع على عاتق الجمعيات والهيئات الخيرية مسؤولية كبيرة تجاه إخوانهم المسلمين من أصحاب العوز والحاجة، وإغاثة الفقراء والمحتاجين داخل المجتمع المسلم، بل في جميع الدول الإسلامية، ومد يد العون والمساعدة لهم بكل ما لدى تلك الجمعيات من الطاقات والإمكانيات، وتوحيد جهودهم، والتركيز على المجالات المهمة، وتنظيم الأولويات في أعمالهم، ومنع الهدر في الأموال والطاقات. ولأجل تحقيق هذا الهدف النبيل تم إطلاق منصة (إحسان) من حكومة المملكة العربية السعودية لأجل توحيد الجهود المبذولة في إغاثة المنكوبين، ومساعدة المحتاجين، ونشر ثقافة التبرع والتطوع، ولأجل تطوير العمل الخيري وتنظيمه بشكل أفضل وأكمل.. فالواجب على الجمعيات والهيئات الخيرية توحيد جهودها، والتعاون فيما بينها لأجل تنظيم العمل الخيري بشكل أكمل وأفضل. كما ينبغي على عامة الناس وأرباب الأموال والأغنياء التعاون مع هذه المنصة ببذل أموالهم، والتبرع بها لدعم ومساعدة الفقراء والمحتاجين عبر هذه المنصة المباركة؛ ليصل هذا الدعم إلى مستحقيه من المعوزين والمحتاجين بكل شفافية وأمانة.

مرجع المسلمين

** مرجع المسلمين هو الكتاب والسُّنة، فهل الاجتهاد مفتوحٌ وفق النصوص مع مراعاة تغيُّر الزمان والحال؟

المرجع الأول والأساس لجميع الأحكام الشرعية هو كتاب الله وسُنَّة نبيه الكريم، ثم الاجتهاد في إطار نصوص الكتاب والسُّنة مفتوحٌ لأهل العلم الراسخين المتأهلين الذين برعوا في علم الكتاب والسُّنة، وفَهْم اللغة العربية، وأحاطوا بمبادئ العلوم الشرعية من الفقه والأصول والعقيدة وغيرها من علوم المقاصد والآلة.. فإذا حققوا ذلك فلهم أن يجتهدوا في المسائل المستجدة والنوازل التي ليس فيها نص من كتاب أو سُنة. وهذا الباب مفتوح إلى يوم القيامة، ولكن بشروط وضوابط بيَّنها العلماء في كُتبهم ومصنفاتهم.

أبرز التحديات

** ما أبرز التحديات التي تواجه المسلمين هذه الأيام؟

من أكبر التحديات التي يواجهها المسلمون في عصرنا الحاضر بُعد كثير منهم عن الدين، وجهلهم بأحكام شريعتهم، وعدم تخلقهم بأخلاق الإسلام وفضائله.. وكان من نتائج هذا الجهل والبعد عن فَهْم الإسلام الصحيح هذا الفكر الضال الذي اتسم بالتطرف والغلو، والتجرؤ على التكفير، وتحليل إراقة دماء المسلمين بغير وجه حق، والسعي في تخريب وتدمير بلادهم، وإخلال الأمن في أوطانهم، وإرهاب وترويع الآمنين منهم؛ وهو ما أدى إلى تشويه صورة الإسلام في العالم، وتسليط الأعداء على بلاد المسلمين ومقدراتهم، واتخاذهم أفعال هؤلاء الشنيعة ذريعة للتدخل في شؤونهم، والتضييق عليهم، ومحاربة دينهم وعقيدتهم.

جماعة التبليغ

** ما الموقف العام من جماعة التبليغ ومسلكهم؟

إخواننا التبليغيون -وفقنا الله وإياهم إلى الصواب- هم أناس سلكوا مسلك التصوف في كثير من أحوالهم. هم يهتمون بأذكار الصباح والمساء وأذكار النوم إلى آخره.. لكنهم -للأسف الشديد- لا يثقفون مَنْ صحبهم، ولا يستفيد منهم علمًا ولا فقهًا، بل إذا رأوه مخطئًا لن يقولوا له أخطأت، ويقولون إن القدوة هي طريقتنا للدعوة. وهم منزوون على أنفسهم، متقوقعون على أنفسهم، لا يصحبهم إلا مَن كان على مثل طريقتهم، ولو صحبهم ذو علم وفقه وفضل لم يرتضوا به، ولم يصاحبوه، وإنما يبتعدون ويُحذِّرون منه. وإذا نزلوا إلى أي مكان، وشرعوا في الرحلة 3 أيام أو 40 يومًا أو 3 أشهر، لا تجدهم إذا رجعوا قد غُيِّرت بعض أمورهم، بل هم على ما هم عليه اليوم وأمس وغدًا؛ لأن الفكرة فكرة خلود إلى الأرض، قلة علم، ضَعْف فقه بدين الله، سلوك تصوفي، ليس له صلة بالعلم النافع والعلم الصالح. ونحن نعتب عليهم ذلك، ونقول: استصحبوا علماء يُفقِّهونكم، ويعلِّمون مَن كان معكم العلم الشرعي الذي دل عليه كتاب الله وسُنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أما أن تتمسكوا بكتاب حياة الصحابة فقط، أو رياض الصالحين فقط، فرياض الصالحين خيرٌ لو طبَّقتموه، وحياة الصحابة فيها ما يقبل وفيها ما يرد. ويعتب عليهم أحيانًا تعلُّقهم بمرجعية الله أعلم بحالها، بل الغالب على المرجعية الخارجة من جزيرة العرب والبعيدة عن بلاد العرب أنها مرجعية يوشك أن تكون وثنية؛ لأنهم يدعون أصحابهم بعد أن يلزموهم طويلاً إلى بيعة شخص ما موجود في أحد الأقاليم خارج الديار. وما تم ذكره من أعمال هذه الجماعة كله بدعة؛ فلا تجوز مشاركتهم حتى يلتزموا بمنهج الكتاب والسُّنة، ويتركوا البدع في أقوالهم وأفعالهم واعتقاداتهم.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org