ضرب داء الجدري قبل ما يقارب 60 عامًا محافظة تيماء كبقية مناطق المملكة والعالم، وهو أول مرض ينتصر عليه البشر بعد أن فتك وشوه الملايين من البشر، وبالمقارنة بين الأمس واليوم، لم يكن حظ المصابين في المحافظة في تلك الحقبة سوى الحجر الصحي بغيران -تعرف اليوم بغيران المجدر-، أحدهم للرجال وآخر للنساء وتقع على بعد ثمانية كيلومترات عن المحافظة أو الطب الشعبي الذي يقتصر على الرماد والغيران هو تجويف داخل جبل.
إحدى الناجيات تتحدث لـ"سبق"
"سبق" التقت اليوم بإحدى الناجيات من الكارثة الصحية التي حلت بالمحافظة في تلك الفترة، حيث روى ابن أخيها مبارك الدهام الشايوش، على لسانها لـ"سبق"، قائلاً: "كانت عمتي في تلك الفترة صغيرة، وتذكر المأساة الصحية التي حلت بالمدينة، وهي لا تزال تعاني عيناها آثار مرض الجدري".
وأضاف: "كان المصابون يعزلون في المحجر في تلك الغيران البعيدة لا تسمع لهم سوى أنين الوجع، ينتظرون الموت أو الشفاء، حتى إن الطب الشعبي في تلك الفترة هو الورقة الأخيرة بعد إرادة الله، فإما أن يشفى المريض، ويبقى على جسده الآثار، أو يُصاب بالعمى، أو يضعف نظره أو يموت، كان الأمر مخيفًا جدًا.
وتابع: "رفض والد عمتي أن يبقيها في المحجر لصغر سنها ولخوفه عليها، فأبقاها في منزله الشعبي بمحجر أيضًا، ولكن على كل الأحوال هو أفضل من الغيران، وشفيت بعد إرادة الله تعالى"، مبينًا أن له عمة أخرى كبيرة بالسن حاليًا كانت ضمن الناجين ودخلت المحجر وشفيت من المرض.
ما المحجر الصحي
من جهة أخرى، قال سعود محمد الماضي، مدير مكتب آثار تيماء، لـ"سبق": "غيران المجدر هي جمع غار والمجدر نسبة إلى من يصاب بمرض الجدري تستخدم كمحجر صحي للمصابين بمرض الجدري، وهو مرض جلدي معدٍ مميت لبعض المرضى انتشر في القرن الماضي، قبل اكتشاف الطب العلاج واللقاح اللازم لهذا المرض القاتل، والغيران هي كهوف طبيعية تقع شرق تيماء تبعد عن تيماء قرابة ثمانية كيلو مترات، آخر استخدام له كمحجر قبل ما يقارب الستين عامًا، حيث كان يوضع به المرضى، ويقيم معهم من هو قد أصيب بالمرض وشفي، ويقوم عددٌ من الأشخاص بجلب الطعام والشراب بشكل يومي من تيماء، لضمان عدم انتقال العدوى لسكان البلدة، تعرف حاليًا بغيران الحمام، وهو من أهم المواقع الأثرية يحتوي على العديد من الرسوم والنقوش الثمودية والإسلامية".
القضاء على المرض
ووفقًا لـ"ويكيبيديا"، فإن الجُـدَرِيّ هو أول مرض ينتصر عليه البشر فتك الجـدَرِيّ، وشوه وسبّب العمى لملايين الضحايا عبر تاريخه الطويل، ينشأ المرض نتيجة للعدوى بفيروس ينتقل من المصابين إلى الأصحاء. ويظهر طفح يشبه البثور على جلد المريض، ثم تتكون قشرة على البثور ما تلبث أن تسقط تاركة ندبة في مكانها. وليس للجدري علاج، كما يموت 20 % من ضحاياه، ويُصاب الباقي بتشوهات مستديمة، ويصاب بعضهم بالعمى.
وفي سنة 1796، حضر الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر، أول لقاح ضد الجدري. وبحلول أربعينيات القرن السابق، اختفى الجدري من أوروبا وأمريكا الشمالية.
وفي سنة 1967، بدأت منظمة الصحة العالمية في تنظيم حملة للقضاء عليه. وفي سنة 1977، ظهرت آخر إصابة بالجدري في الصومال؛ وفي سنة 1980، أعلنت المنظمة أنها نجحت في القضاء على المرض.