نشر المبتعث والمرشح لدرجة الدكتوراه عبدالله عسيري في العشرين من شهر أكتوبر الماضي مقالة، حلّل فيها ما يحدث في الانتخابات الأمريكية، وتوقع نتائجها. وهي التوقعات التي تأكدت صحتها مع إعلان النتائج.
وذكر "عسيري" في مقالته أن الظروف باتت مواتية لحدوث موجة مضادة لما حدث في عام 2016، وأن هذه الموجه ستتمثل في فوز مرشح الحزب الديمقراطي الرئيس المنتخب جوزيف بايدن، وخسارة الرئيس الحالي دونالد ترامب.
ووصف "عسيري" هذه الموجة بالارتداد في مواجهة مشروع الوطنيين الجدد في الولايات المتحدة تعبيرًا عن حالة التعثر التي يعيشها المشروع دوليًّا.
ويضيف كذلك بأن هذا الارتداد يأتي أيضًا نتيجة لأزمة في الإدارة الداخلية بالولايات المتحدة، وتعثر في مواجهة الأزمة الصحية والأزمات المرافقة من قبل الرئيس ترامب وحزبه الجمهوري.
وبدأ "عسيري" مقالته بالقول إنه لا يمكن فهم فوز ترامب وخسارته دون اعتبار السياق الدولي؛ إذ تمثل ظاهرة ترامب واحدة من عدد من الظواهر والحالات الممثلة لمشروع الوطنيين الجدد. وتشمل الأمثلة صعود اليمين المتطرف في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، وحالة التصويت على بريكزت، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحالات صعود مماثلة في أمريكا اللاتينية، مثل وصول الرئيس البرازيلي الشعبوي بوليسارو.
وذكر "عسيري" أن مشروع الوطنيين الجدد يقوم على فكرة مضادة للعولمة، وتحميلها المسؤولية عن التظلمات السياسية والاقتصادية، وجعل ذلك مبررًا للانسحاب والانكفاء عن العمل الدولي المشترك.
وأشار "عسيري" إلى أنه صاحب الظواهر والحالات الأولى للمشروع كثير من الزخم بين المؤيدين، والقلق بين مؤيدي العولمة، حتى وصل الأمر بالبعض إلى تصوُّر نهاية العولمة.
وهنا رد "عسيري" بالقول إن المشروع لم يقضِ على العولمة، ولا يبدو أساسًا راغبًا في ذلك، وإنما هو مشروع سياسي شعبوي، وهو اليوم في حالة تعثر.
يُذكر أن حالات الصعود إما تم استيعابها من قِبل مؤسسات الدولة، أو انتهى المطاف بها إلى فوز محدود.
ورأى أن صعود الرئيس ترامب ووصوله إلى السلطة بمنزلة قمة الزخم لمشروع الوطنيين الجدد نظرًا لرمزية وصول المشروع إلى رئاسة الولايات المتحدة، لكن الأوضاع الداخلية التي تبعت انتخاب الرئيس الأمريكي، وتضاؤل الزخم الدولي، قللا من فرص الانتشار والسيطرة للمشروع.
وذكر أيضًا أن السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي لم تتمكن من تنفيذ الوعود القائمة على أفكار هذا المشروع، مثل إعادة توطين الاقتصاد، والعزلة، والأحادية؛ إذ كان الرئيس الأمريكي قد وعد بإعادة الشركات المهاجرة، وعَقْد معاهدات تجارية مختلفة عن سابقاتها، والانسحاب العسكري، ولكن انتهى الأمر إلى إعادة صياغة للمعاهدات السابقة، وانسحابات رمزية، وعجز عن إعادة توطين كامل للاقتصاد الأمريكي.
وفي ظل حالة التعثر الدولية للمشروع، وقصور السياسة الخارجية، فإن "عسيري" توقّع أن تؤثر مثل تلك الأجواء على العملية الانتخابية ولو بشكل محدود.
إلى جانب هذا، رأى "عسيري" أن خسارة الرئيس الأمريكي الانتخابات تحدث بالضرورة نتيجة لأزمة إدارة وطنية، وتعثُّر داخلي في مواجهة الأزمات.
ويذكر هنا أن الرئاسة غالبًا ما تفسَّر في صورة دورتَي التأثير السياسي والفاعلية السياسية. وبينما تفسَّر الأولى في رأس المال السياسي لدى الرئيس ترتكز الثانية على معرفته بالنظام، وقدرته على الإدارة. ويعاني غالب الرؤساء نقصان التأثير بعد انتخابهم، بينما تتعزز فاعليتهم السياسية تدريجيًّا.
لكن في حالة الرئيس ترامب ذكر "عسيري" أن رئاسته تتسم بتناقص في التأثير والفاعلية السياسية منذ انتخابه؛ فالرئيس لم يستطع التوفيق بين الجناح التنفيذي والتشريعي، ولم يستطع التنسيق بين مؤسسات الدولة والولايات؛ وتسبب ذلك في حالة من الانقسام السياسي والتعثر الإداري.. بل إن عسيري يرى أن ذلك أيضًا دفع ببعض المؤسسات إلى التضاد مع الرئاسة.
ورأى "عسيري" أيضًا أن تناقص التأثير والفاعلية السياسية للرئيس تمثَّل في استراتيجية التضاد التي اتبعها في مواجهة الإعلام، وكذلك في محاكاة الناخبين.. فبينما تسبب التضاد بينه وبين الإعلام في تهميش القضايا الرئيسية في البلاد تسبب خطابه الحدي في تقليص شريحة الداعمين له.
ورصد "عسيري" كثيرًا من المؤشرات على هذا التناقص في الفاعلية والتأثير، مثل خسارة الجمهوريين الأغلبية في مجلس النواب، ومحاولة عزل الرئيس، والتضاد بينه وبين المؤسسات القضائية والتعليمية.
ويضيف: أيضًا حالة الانشقاقات التي حدثت على مستوى أعضاء في الحزب الجمهوري، وكذلك شرائح من الناخبين.
وأضاف: لذلك الأزمات التي عصفت بالولايات المتحدة خلال العام الماضي، التي شملت أزمات صحية وسياسية واقتصادية واجتماعية، خلقت جوًّا من الاحتقان والتأزم على مختلف الأصعدة، وكان متوقعًا أن تدفع بالناخبين إلى التكتل والتصويت في محاولة للخروج من الأزمات.
وذكر عسيري هنا أن مسألة محاسبة الرئيس على الأزمات الداخلية محل جدل، ولكن يبدو أنه قد توافرت الشروط التي تجعل الناخبين يعتقدون بدور الرئيس في هذه الأزمات، ووجود حالة من سوء الإدارة والتعثر الداخلي.
وقال "عسيري" إنه حتى في حالة عدم وجود هذا الربط فإن الناخبين يصوّتون في ظل حالة من القلق والترقب التي غالبًا ما تدفع بهم نحو الخيار الذي يبدو أكثر أمانًا وموفرًا للخروج من الأزمة.
وختم "عسيري" مقالته بالقول إن الظروف باتت مواتية لحدوث موجة مضادة لما حدث في عام 2016، وإن هذه الموجة ستكون بمنزلة الارتداد في مواجهة مشروع الوطنيين الجدد في الولايات المتحدة تعبيرًا عن حالة من عدم الرضا عن الإدارة الداخلية.
كما توقَّع "عسيري" أن تتميز الموجة بأعلى معدل تصويت في التاريخ الحديث للولايات المتحدة، وأن تعلن إنهاء حكم الرئيس الأمريكي ترامب، وانتخاب جوزيف بايدن رئيسًا للولايات المتحدة. وهي التوقعات التي ظهرت حاليًا صحتها مع إعلان نتائج الانتخابات.