وهل تطيق وداعاً أيها الرجل؟ .. شاهد عودة "الأعشى" للرياض بعد 1400 عام!

فعالية سنوية ثلاثية الأبعاد تنظّمها "الثقافة" .. "معلقة وأزياء وأسلحة" و"سبق" ترصد
وهل تطيق وداعاً أيها الرجل؟ .. شاهد عودة "الأعشى" للرياض بعد 1400 عام!

الاطلاع على التاريخ أو سير الزعماء والقادة والمبدعين والمفكرين، تجربة تتاح للإنسان بالقراءة، أما استرجاع التاريخ في تجربة حية نابضة تنقل الإنسان إلى أجواء الوقائع والأحدث في بيئتها الزمانية والمكانية، فيتطلب توظيف التقنية في إعادة رسم ملامح مشهد الماضي، من خلال استخدام كل العناصر التي واكبت تجربة الشخصية التاريخية، مثل مكان عيشه وأدواته ووثائقه، في إعادة تقديمها في الحاضر لمَن يشاء أن يعايش جوانبها بحواسه، فيرى ما كانت تراه تلك الشخصية، ويلمس ما كانت تلمسه، ويُوجد حيث كانت تقيم في الموضع الذي احتضنها، وشهد حياتها أو شطراً منها.

وفي تجربة فريدة من هذا النوع الذي يسترجع التاريخ، تنظّم وزارة الثقافة في مارس المقبل فعالية عن الشاعر العربي ميمون بن قيس الملقب بـ"الأعشى"، تحت عنوان "حياة الأعشى"، "سبق" بدورها قامت بجولة ميدانية رافقها خلالها المستشار عبدالعزيز بن سليمان الحسين؛ المشرف العام على وقف ديوانية "آل حسين" التاريخية، وأثار ومواقع بقاع حي منفوحة القديم الذي من المزمع إقامة الفعالية بها وما ضمّته جنباتها من مسيرة لحياة "الأعشى" من مواقع قصوره التي سكنها التي ذكر منها ياقوت الحموي؛ في كتاب "معجم البلدان" قصر مارد ومهراس؛ حيث قال إن مهراس ومارد ومنفوحة من أرض اليمامة، وكان منزل الأعشى من هذا الشق، ونُقل عن "الحفصي"؛ قوله: "مارد قصير بمنفوحة جاهلي وذكرها الأعشى؛ بقوله: فركن مهراس إلى مارد -- فقاع منفوحة ذي الحائر".

ومنفوحة لا تزال إلى الآن تحتفظ بهذا الإرث من خلال المعالم في الحي، مثل شارع الأعشى الذي يقول عنه "عبدالعزيز الحسين"؛ إنه فاصل قديم بين الرياض وحي منفوحة والذي يقع على جنوبه حي سيكيرينه وشماله حي معكال، وأيضاً مدرسة تحمل اسمه تعد من أقدم المدارس في الحي؛ وستقدم الفعالية للزائرين تجربة تفاعلية يتعرّفون خلالها على حياة "الأعشى"، والموقع الذي عاش فيه بحي منفوحة العريق في الرياض، بعد أن قررت الوزارة إعادة تصميم الموقع ليُحاكي تلك الحقبة التاريخية، كما سيرتدي ممثلون الأزياء التاريخية التي كانت مستعملة وقتئذ، وسيتفاعلون مع الزوّار بحديث عن الأعشى؛ وقصائده، بما سيمنحهم تجربة معايشة حياة "الأعشى"؛ والانتقال إلى أجوائها، التي ستشعرهم كما لو أنهم يلتقون "الأعشى".

والشاعر "الأعشى"؛ هو ميمون بن قيس بن جندل، الذي ينتهي نسبه إلى ربيعة بن نزار، ولُقب بـ"الأعشى"؛ لضعف بصره، فالأعشى في لغة العرب هو الذي لا يرى في الليل، ولقب ميمون بن قيس بألقاب أخرى عدة أيضاً، منها: "أعشى قيس"، و"الأعشى الكبير"، و"صناجة العرب"، و"أبي بصير"، ووُلد "الأعشى" في العصر الجاهلي، وأدرك الإسلام إلا أنه لم يعتنقه، رغم أنه قرّر الدخول فيه، ومقابلة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدنية المنوّرة، ونطق الشهادتين بين يديه، لكن ظهر مَن أفسد عليه ترتيباته، وعمل على صدّه عن الإسلام.

وحول واقعة صدّه عن الإسلام ، تذكر المصادر التاريخية أن "الأعشى"؛ خرج من دياره قاصداً المدينة المنوّرة، وكان قد كتب قصيدة طويلة في مديح الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فخرج لينشده القصيدة ويعلن إسلامه، فلحق به أبو سفيان بن حرب؛ ليرجعه عن مسيره، ونادى أبو سفيان في أهل قريش، قائلًا: "اتقوا لسان الأعشى، فإنه ذاهب يمدح محمداً"، فجمع أهل قريش لـ "الأعشى"؛ مئة ناقة ليرجع عن سفره إلى المدينة، وعرضوا عليه مئة من الإبل مقابل عدم ذهابه إليها، وأثنوا عزيمته عندما أخبروه بتحريم الإسلام للخمر، وكان "الأعشى" يحب الخمر حباً شديداً، فرجع عن سفره وعاد إلى قرية منفوحة، ومات بها في العام نفسه الذي كان يوافق العام السابع للهجرة.

وينتمي "الأعشى"؛ وهو من شعراء المعلقات إلى طبقة فحول الشعراء، وهي الطبقة الأولى للشعراء العرب، فبحسب كتاب "جمهرة شعراء العرب"، فـ "الأعشى"، وامرؤ القيس، وزهير بن أبي سلمى، والنابغة الذبياني، ولبيد بن ربيعة، وعمرو بن كلثوم، وطرفة بن العبد، وعنترة بن شداد، هم أشعر شعراء العرب وأجودهم شعراً، وكان "الأعشى" غزيرَ الشعر، ويُغنّى بشعره على نطاق واسع في جزيرة العرب، ومن تلك الميزة الغنائية لشعره اكتسب لقبه "صناجة العرب".

ومن بين ما ستنفرد به فعالية "حياة الأعشى" أنها ستكون سنوية، كما ستشمل عدداً من الأنشطة الأدبية، فوفقاً لما أعلنته وزارة الثقافة ستضم الفعالية "مسرح القصيد" الذي ستُعرض فيه قصة معلقة الشاعر الشهيرة "زرقاء اليمامة"، وستتضمن عرضاً على جدران أحد البيوت القديمة في منفوحة يتناول قصة "الأعشى" في مختلف مراحل حياته عبر عرض ثلاثي الأبعاد مدته أربع دقائق، وستضم "متحف الأعشى" الذي سيعرض محتويات ووثائق لتاريخ حي منفوحة، وأهم المواقع التاريخية فيه، إلى جانب تاريخ "الأعشى" وأهم أشعاره، والأزياء والأسلحة المستخدمة حينئذ والمخطوطات.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org