رغم عدم قدرة الإنسان في العصر الحديث على الاستغناء عن مرافق البنية التحتية الأساسية، كشف البنك الدولي في تقرير له نهاية أغسطس (آب) 2019، عن وجود فجوة عالمية ضخمة بين البشر في توفير خدمات البنية التحتية، إذ يعيش حوالي 940 مليون شخص في العالم دون كهرباء، فيما يفتقر 2.2 مليار شخص إلى مياه نظيفة معالجة بطريقة آمنة، بينما لا يزال 4.2 مليار شخص لا يملكون مرافق الصرف الصحي المدارة بطريقة آمنة، كما يعيش مليار شخص على بُعد أكثر من كيلومترين من طريق صالح لكل المواسم، وتشير هذه البيانات إلى أن مرافق البنية التحتية، لا تزال تمثل تحدياً كبيراً للكثير من الدول في العالم.
ويعد نقص التمويل العقبة الكؤود أمام إنشاء وتطوير الدول لشبكات بنتيها الأساسية، فذلك النوع من المشروعات يحتاج إلى تكلفة مرتفعة تتراوح بين 2 في المئة و8 في المئة من إجمالي الناتج المحلي السنوي لأي دولة، وبحسب تقديرات شركة ماكنزي وشركاه، فإنه يتعيّن على الدول النامية استثمار أكثر من تريليوني دولار سنوياً في قطاع البنية التحتية؛ لمواكبة معدلات النموّ المتوقّعة للناتج المحلي الإجمالي على مدار السنوات الخمسة عشر المقبلة، وتلك التكلفة الباهظة لا تتاح لكثير من الدول، لاسيما مع إحجام القطاع الخاص عن الاستثمار في قطاع البنية التحتية؛ نظراً لتدني ربحيته.
ومحصلة لهذا الإحجام؛ فإن نسبة استثمار القطاع الخاص في البنية التحتية حالياً لا تتجاوز ما بين 2 في المائة و3 في المائة، بما يعادل أقل من 0.1 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي، وبالنسبة لرؤية السعودية للعقبات، التي يواجهها قطاع البنية التحتية في العالم، فإنها لا تحصرها في نقص التمويل بقدر ما تراها ناتجة عن عدم تبني قطــاع البنيــة التحتيــة حتــى الآن للإمكانات الكاملــة والفــرص الهائلــة، التــي توفرهــا التقنيــات الجديدة لتحســين الجــودة، وخفــض التكاليــف، والمســاعدة فــي ســد فجــوة تمويــل البنيــة التحتيــة، فالمشكلة طبقاً للرؤية السعودية مرتبطة بخيارات الدول في تطوير بنيتها التحتية، أكثر من ارتباطها بقدرتها على تدبير التمويل المالي اللازم لها.
وحرصاً من المملكة على توجيه انتباه دول العالم، إلى ما ينطوي عليه التطور التكنولوجي من فرص كبيرة، لتسريع جهودها في إنشاء واستكمال بنيتها التحتية، فقد خصصت للبنية التحتية إطاراً مستقلاً ضمن الأطر السبعة لمحور "تشكيل آفاق جديدة"، أحد المحاور الثلاثة لبرنامج رئاستها لقمة مجموعة العشرين 2020، وحمل الإطار عنوان "الاستفادة من التقنيات في البنية التحتية"، وترتكز الرؤية التي عرضتها المملكة خلال الإطار على أن الابتــكار فــي البنيــة التحتيــة عامل جوهري لتعزيز النمو المســتدام والشــمولي، فليست البنية التحتية هدفاً في حد ذاتها، ولكنها القاعدة الأساسية لتحقيق التنمية بمفهومها الشامل، فأي عملية تنموية تحتاج إلى الكهرباء ومصادر توليد الطاقة وشبكات المياه والطرق الحديثة، لكي تتحقق على أرض الواقع.