الانشغال واستخدام الأساليب السيئة في التربية والإيذاء اللفظي وغياب لغة الحوار، جدران وعوازل سميكة داخل الأسر يشارك في بنائها الجميع؛ الأمر الذي يدفع بالأبناء إلى البحث عما فقدوه من جو أسري خارج المنزل؛ ما يجعلهم لقمة سائغة لأصدقاء السوء وأصحاب التوجهات الخاطئة.
وتفصيلًا: انضمت الأجهزة الإلكترونية المختلفة إلى قائمة "الجدران العازلة" داخل الأسرة في السنوات الأخيرة؛ حيث إنها شغلت جميع أفراد الأسرة عن الحوار ما بين مواقع التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو وغيرها من الأجهزة الترفيهية.
والمبالغة في استخدام الأجهزة الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، وتعلق الطفل الشديد بها يصل به إلى حد الإدمان وعدم قدرته على الاستغناء عنها؛ مما يولّد لديه بعض السلوكيات والمشاكل التي يمكن أن تؤثر عليه وعلى من حوله، ومن أهمها انفصاله عن أسرته.
وهذا الخطأ لا يقع فيه الأبناء وحدهم، بل إن الآباء المشغولين طوال اليوم استبدلوا الوقت الذي كانوا يجلسون فيه مع أبنائهم بالانكفاء على أجهزتهم الذكية ومنصات التواصل، حتى وإن كانوا مع أبنائهم فإن ذلك الحضور يكون بالجسد فقط، فلا يعرفون شيئًا عن حياتهم ولا يبنون معهم جسورًا من التواصل، فتتسع الهوة كل يوم أكثر.
وفي هذا الصدد توضح زينب نايف الأحمدي، المستشار المعتمد في التخطيط الإستراتيجي، أن من أهم أدوات استقرار الأسرة التواصل والحوار؛ إذ إن التواصل الأسري الإيجابي مفتاح سحري لسعادة الأسرة يجلب لها التفاهم والتودد والتكامل، وعلى النقيض من ذلك فإن التواصل الأسري السلبي مفتاح الشقاء في الأسرة يجلب لها الخصام والصدام والجفاء، ثم الضياع والتشرد والانحراف.
وتدعو الأحمدي إلى ضرورة فتح قنوات للحوار داخل الأسرة ومناقشة شؤون الأسرة مهما بدت بسيطة، من خلال عقد مجالس أسرية منتظمة يسودها الحوار الحقيقي الذي هو جدال بالحسنى، وهو يعني شرح وجهة نظر شخصية أكثر من أن يعني الحرص على تغيير وجهة نظر الطرف الآخر.
أعراض إدمان
في حال تجاهل الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية؛ فإن الأمر يتطور تدريجيًّا حتى يصل إلى مرض يسمى "إدمان الأجهزة الإلكترونية"، ومن أهم أعراضه: الشعور الدائم بالقلق والتوتر عند فصل أو تعطل الإنترنت، وأن يكون الطفل في حالة ترقب دائم لبرامج ومواقع التواصل المشارك بها، وألا يشعر بالوقت أو بمن هم حوله عند استخدامه لهذه البرامج والأجهزة الإلكترونية.
وعادة ما يميل "مدمن الأجهزة الإلكترونية" إلى العزلة وقلة تواصله مع الآخرين مع كثرة المكوث في المنزل، وقلة أو انعدام الأنشطة الرياضية أو الاجتماعية التي يمارسها الطفل لانشغاله بالتواصل الإلكتروني.
ويتسبب إدمان الأجهزة الإلكترونية في مشاكل صحية وأسرية ودراسية ونفسية، تحتاج إلى إدراك مبكر وسعي للعلاج حتى لا يتطور الأمر إلى ما هو أسوأ.
ومن المشاكل الصحية التي يسببها "الإدمان الإلكتروني": اضطرابات النوم لعدم حصول الطفل على ساعات نوم كافية بسبب انشغاله بها مما يتسبب بشعوره بالإرهاق خلال اليوم، وبالتالي تأثُّر جهازه المناعي مما يجعله أكثر قابلية للإصابة بالأمراض، كما أن قضاءه ساعات طويلة دون حركة تُذكر يؤدي إلى آلام الظهر، وإرهاق العينين، وزيادة الوزن.
أما المشاكل الأسرية فتتمثل في: انعدام الحوار الأسري بسبب قضاء أغلب وقته على الأجهزة الإلكترونية، كما يتأثر مستوى الطفل الدراسي بشكل واضح بسبب هذا النوع من الإدمان، ويظهر ذلك جليًّا من خلال إهمال تأدية واجباته المدرسية وعدم التركيز داخل الفصل مما يؤثر على تحصيله العلمي.
ويضاف إلى ما سبق المشاكل النفسية؛ حيث يصبح الطفل ذا مزاج متعكر يميل إلى العصبية والبكاء والصراخ عند تعطل الإنترنت.
خطوات العلاج
على الوالدين عند ظهور بعض أو كل هذه الأعراض التعامل مع الموقف بجدية واتخاذ خطوات محددة؛ أُولاها تحديد ساعات معينة يُسمح للطفل فيها باستخدام الأجهزة الإلكترونية، وفي حالات الإدمان الشديد يجب أن يكون تقليص عدد الساعات تدريجيًّا.
ويمكن للآباء اللجوء إلى المختصين وإلى الجهات التي تقدم الاستشارات في هذا المجال، ومن بينها مركز بلاغات العنف الأسري على رقمه المجاني (1919)، الذي يقدم -بالإضافة إلى جهوده في التعامل مع البلاغات- استشارات أسرية، وكذلك وحدة الإرشاد الاجتماعي التابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
ومن بين الوسائل المفيدة كذلك: إشراك الأبناء في المشكلة والحل، بأن يُطلب من الطفل تحديد خمس من أهم المشاكل الناجمة عن إسرافه في استخدام الأجهزة الإلكترونية، وخمس من الفوائد التي ستنتج عن إقلاعه عن هذه الأجهزة ويقوم بكتابتها في ورقة يضعها في غرفته.
ويمكن كذلك إعطاء الطفل زمام المبادرة بأن يُترك له اختيار مجموعة من الأنشطة التي يود المشاركة بها، سواء مع الأسرة أو أصدقائه بعيدًا عن استخدامه للأجهزة الإلكترونية، وإشراكه كذلك في وضع قوانين وضوابط لاستخدام الأجهزة الإلكترونية، حتى يسهل عليه تطبيقها والتزامه بها والتدرج في تنفيذها.
وعلى الوالدين بعد ذلك المراقبة والمتابعة المستمرة دون إشعار الطفل بذلك ودون منعه، ومشاركة الطفل في أنشطته وألعابه باعتبارها ضرورة لا غنى عنها.
ويجب على الوالدين دعم الطفل والتأكيد عليه بضرورة إبلاغ والديه في حال تعرضه لأي وسائل تهديد أو مواقف تثير الريبة، وتشجيع الطفل على فتح باب الحوار في مختلف المواضيع العصرية التي تثير اهتمامه.
ومع أن هذه الخطوات كفيلة بالعلاج التام إلا أنها لن تكون ذات فاعلية إن لم يُمثل الآباء قدوةً حسنةً لأبنائهم بإلزام أنفسهم بتحديد وقت لاستخدام الأجهزة الإلكترونية وتحديد وقت ثابت وكافٍ للحوار داخل الأسرة.