في أوائل مايو 2017، تعهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بأنه "لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد، سواء كان أميرًا أو وزيرًا"، مشددًا على أن "مَنْ تتوافر عليه الأدلة الكافية سيحاسَب"، ودشن هذا التعهد بداية حقبة جديدة ومغايرة في مكافحة الفساد في المملكة من حيث فعالية الرقابة والمحاسبة، وقد ترجم تعهد ولي العهد، منذ إعلانه قبل خمس سنوات إلى برنامج عمل صارم لحماية النزاهة والمال العام، وتجسد هذا البرنامج في الآلاف من قضايا الفساد، التي ضبطتها وباشرتها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد "نزاهة"، في تعديات وانحرافات مسؤولين ضد المال العام.
وتعطي الوتيرة المتقاربة لإعلان "نزاهة" عن القضايا التي تباشرها، صورة واقعية عن حجم قضايا الفساد التي تستهدف المال العام، وتخل بالأهداف التنموية، فاليوم (الأحد) أعلنت "نزاهة" عن مباشرة 11 قضية فساد، في القضية الأولى منها، بلغت قيمة الرشوة التي حصل عليها ثلاثة مسؤولين متقاعدين في وزارة الحرس الوطني أكثر من 198 مليون ريال، وقبل خمسة أيام من الإعلان السابق، أوقفت "نزاهة" ١٧٦ مواطنًا ومقيمًا منهم موظفون من وزارات ومؤسسات حكومية بتهم الرشوة، واستغلال النفوذ الوظيفي، وإساءة استخدام السلطة، والتزوير، وفي مطلع شهر شعبان أوقفت "نزاهة" 241 مواطنًا ومقيمًا بتهم مماثلة، وبعد أسبوع باشرت 10 قضايا فساد.
فكثرة القضايا التي تباشرها "نزاهة"، والتي لا يكاد يمر يوم دون ضبط فاسدين، تبرهن على تحول تعهد الأمير محمد بن سلمان إلى برنامج عمل لمكافحة الفساد، وهو ما يطرح سؤالاً حول كيفية حدوث هذا التحول؟ لقد استند التحول إلى مسارين الأول تنظيمي شمل تطورين أساسيين: الأول، إصدار الملك سلمان في نوفمبر 2017 أمرًا بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد؛ لتتولى عددًا من المهام المعلقة بمكافحة الفساد، بينها حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام، والتحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قِبل الأشخاص والكيانات.
والتطور الثاني، إعادة هيكلة الأجهزة الرقابية، حيث أصدر الملك سلمان في ديسمبر 2019 أمرًا بدمج كل الجهات والوحدات الرقابية والضبطية والتحقيقية المتصلة بمكافحة الفساد المالي والإداري في جهاز واحد يحمل مسمى "هيئة الرقابة ومكافحة الفساد"، وترتب على الدمج تمتع "نزاهة" بالصلاحيات اللازمة لملاحقة الفاسدين ومحاسبتهم، وإعادة الأموال المنهوبة للخزانة العامة، ورفع أداء وكفاءة العمل في "نزاهة"، وسرعة البت في قضايا الفساد، والمسار الثاني، تشريعي حيث اعتمدت المملكة أكثر من 30 تشريعًا، أسهمت في مكافحة الفساد، ومن خلال هذا التطوير التنظيمي والتشريعي تحول تعهد ولي العهد إلى برنامج صارم لحماية المال العام.