في الوقت الذي تستحوذ فيه أحياء وقرى شرق مكة المكرمة على النصيب الأكبر في عدد الجمعيات الخيرية، بواقع ست جمعيات، يرى مهتمون أن كثرة الجمعيات بشكل عام في نطاق واحد يهدد استدامتها لتفاوت الإمكانات من جمعية لأخرى، لافتين إلى أننا نعيش في زمن الجمعيات المتخصصة التي ترتكز على وجهة محددة، بما يسهم في تنويع الأعمال، وتوحيد الجهود، وشمول الخدمات المستفيدين كافة.
في البداية قال مستشار المسؤولية الاجتماعية والتنمية المستدامة، الدكتور نايف بن سراج الهذلي: إن كثرة الجمعيات بحد ذاتها جانب إيجابي، ويدل على حرص المجتمع على عمل الخير، ودليل على التكافل الاجتماعي والوعي الذي يتمتع به المجتمع السعودي، إلا أن الكثرة الحاصلة لهذه الجمعيات تهدد استدامة وبقاء بعض هذه الجمعيات الخيرية؛ إذ هناك تفاوت فيما بينها في الإمكانات المادية والكفاءة الإدارية من جمعية لأخرى، ونجد في بعض المراكز البلدية أكثر من جمعية، وقد تتشابه في الأنشطة والخدمات التي تقدمها.
واقترح "الهذلي" أن تتحد هذه الجمعيات فيما بينها تحت مظلة واحدة في كل مركز بلدي كاتحاد للجمعيات الخيرية في مركز معين، وتُرشَّح الجمعية الأكثر إمكانات مادية وإدارية لتقود هذا الاتحاد، وتكون الجمعيات الأخرى عضوة في هذا الاتحاد، ويكون هناك تنوع في الخدمات التي تقدمها هذه الجمعيات؛ فتتخصص كل جمعية في تقديم خدمة اجتماعية في مجال معين يحتاج إليه المجتمع الذي تخدمه، ويختلف عن الجمعية الأخرى، كما أنه يساعدها في تقليص التكاليف التشغيلية لهذه الجمعيات، ويسهل عليها عملية تبادل الخبرات، والاستفادة من بعضها في جميع الجوانب الإدارية والمالية؛ إذ تتوحد الجهود، وتتضافر من أجل تحقيق الأهداف التي أُنشئت من أجلها هذه الجمعيات.
من جهته، قال المستشار التربوي والتعليمي عبدالله بن دحيم الدهاس: إن انتشار الجمعيات يعد اتجاهًا إيجابيًّا لخدمة المجتمع، وتحديد عمل الجمعيات، خاصة إذا كانت ترتكز أو تكثر في منطقة معينة أو قطاع محدد؛ فسوف يسهم ذلك في تنويع أعمالها، وتوحيد جهودها، وشمول خدماتها المحتاجين كافة.
وأضاف: كان من الأولى أن يقتصر عمل كل جمعية على خدمة معينة، أو عمل خيري موحد، مثل أن تركز جمعية على مساعدة وخدمة الطلاب في مراحل التعليم. وتشمل هذه الخدمات تخصيص مصروفات مالية (الفسحة المدرسية) للأيتام والمحتاجين، وإقامة دروس تقوية للطلاب المخفقين، وتنفيذ دورات تدريبية لاختبارات القدرات والقياس، ودورات في اللغة الإنجليزية، وتقوم جمعية أخرى بتخصيص عملها للشباب والشابات الباحثين عن عمل من خلال إقامة دورات تدريبية تأهيلية لما يحتاج إليه سوق العمل، وإقامة ما يسمى بيوم المهنة والتوظيف، وتتولى جمعية أخرى برامج تأهيل مساكن الأسر المحتاجة وسداد فواتير الخدمات المختلفة. مشيرًا إلى ضرورة ربط هذه الجمعيات بمنصة إلكترونية لكل جهة أو منطقة تحوي بيانات المستفيدين من الخدمات لئلا تكون هناك ازدواجية في الخدمات المقدمة، ويوضع لها مجلس إشرافي لكل قطاع يتولى متابعة الميزانيات السنوية، وإعداد الحسابات الختامية.
ولفت "الدهاس" إلى أننا نعيش الآن في زمن الجمعيات المتخصصة التي تركز عملها على وجهة واحدة ومنهج واضح. مشيدًا بجمعية هدية الحاج والمعتمر التي تختص بضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين حتى أضحت مَعلمًا بارزًا للعمل الخيري بالسعودية، وأصبحت تقدم خدمات وبرامج نوعية، لقيت إشادة الجميع، خاصة خلال مواسم الحج.
ويقول نائب رئيس مجلس إدارة جمعية نخلة علي بن غرسان: جمعيات شرق مكة ليست مدمجة، ولكن تم عقد لقاء موحد لتوحيد الجهود، وكانت جمعية نخلة التي دعا إليه. لافتًا إلى أن الهدف هو توحيد الجهود لرفع سقف التعاون والتكامل لخدمة المستفيدين.
وعرج "ابن غرسان" على مخرجات اللقاء السابق بين تلك الجمعيات، وأوضح أنه يحث على استحداث نظام ربط إلكتروني موحد للمستفيدين بين الجمعيات، وإطلاق برامج مشتركة لخدمة المستفيدين عبر منصة موحدة، والاستعانة بمستشارين قانونيين متطوعين لتلك الجمعيات.
بدوره، اقترح الكاتب الإعلامي سعد المطرفي دمج الجمعيات الخيرية في جمعية واحدة؛ إذ يوحد الجهود، بما يحقق من كفاءة الإنفاق الإداري، ومن كفاءة الإنفاق على خططها التشغيلية أيضًا دون أن يمس المخرجات التي تقدَّم للمستفيد النهائي، سواء العينية أو المالية.
وقال: دمج الجمعيات التي سجّلت أداء منخفضًا نتيجة لضعف مواردها أو قصور في أدوارها المجتمعية والخيرية مع جمعية أخرى أكثر فاعلية خيار مهم جدًّا للوصول إلى عطاءات عالية ومثمرة، تخدم المستفيدين، وخصوصًا أن الهدف النهائي هو خدمة المستفيد، وابتغاء الأجر من الله -عز وجل-.
وختم "المطرفي" بقوله: الجمعية غير القادرة على خدمة المستفيدين وفقًا لتقارير أدائها ومداخيلها وحجم المستفيدين قرار دمجها أفضل من استمرارها دون أن تحقق نتائج خدمية مقبولة في العمل الخيري.