يواجه العالم بأسره تحديًا كبيرًا، ولا نبالغ حينما نقول مصيريًا، يتمثل في التغير المناخي؛ حيث يشهد كوكب الأرض حاليًا تأثيرات حقيقية بسبب التغير المناخي، وما تحمله من عواقب وخيمة على مستقبل البشرية.
تلك الحقيقة التي نقف أمامها، وتمثل مسؤولية الجميع نحو التغير المناخي وآثاره، شدد عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بكلمات واضحة ومباشرة أمام قمة القادة للمناخ المنعقدة افتراضيًا، بقوله إن: "ظاهرة التغير المناخي التي تهدد الحياة على كوكب الأرض، ولا تقف عند حدود وطنية"، مشيرًا في موضع آخر إلى الحل لتلك الإشكالية، قائلاً: "إن رفع مستوى التعاون الدولي هو الحل الشامل لمواجهة تحديات التغير المناخي".
مسؤوليات المملكة
وقبل أن يحث الملك سلمان العالم على الاضطلاع بمسؤولياته نحو كوكب الأرض، كانت المملكة في صدارة المضطلعين بمسؤوليتها التاريخية نحو منطقتها ونحو الأرض عبر الإستراتيجية الوطنية للبيئة، وعبر الكثير من المبادرات البناءة، ومنها مبادرتا "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، واللتان أعلن عنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهما تهدفان إلى رفع الغطاء النباتي، وتقليل انبعاثات الكربون، ومكافحة التلوث، وتدهور الأراضي، والحفاظ على الحياة البحرية؛ وذلك من خلال زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة خلال العقود القادمة، بما يعادل إعادة تأهيل نحو 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة؛ ما يعني زيادة في المساحة المغطاة بالأشجار الحالية إلى 12 ضعفًا، تمثل مساهمة السعودية بأكثر من 4 % في تحقيق مستهدفات المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضي والموائل الفطرية، و1 % من المستهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة.
كما تسعى مشروعات الطاقة المتجددة السعودية إلى خفض أكثر من سبعة ملايين طن من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، وأن يحل الغاز والطاقة المتجددة محل ما يقارب مليون برميل بترول مكافئ من الوقود السائل يوميًا، تستهلك كوقود في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه وفي القطاعات الأخرى، للوصول إلى المزيج الأمثل، والأعلى كفاءة، والأقل تكلفة، والأكثر إسهامًا في حماية البيئة والحفاظ عليها.
وتمثل تلك المشروعات الرائدة في قطاع الطاقة المتجددة مثل: محطة سكاكا لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، ومحطة دومة الجندل لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح، بالإضافة إلى مبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، تمثل أجزاء جوهرية من دور المملكة الريادي تجاه القضايا الدولية المشتركة، واستكمالاً للجهود التي بذلتها المملكة خلال فترة رئاستها مجموعة العشرين، والتي نتج عنها تبني المجموعة لمفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، الذي يُسهم في تسريع استعادة توازن انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وهكذا، فإن هذه المشروعات تعزز سجل السعودية في مجال الطاقة المتجددة، كما أنها تضاف إلى المكانة التي تتمتع بها في مجال الطاقة بشكل عام.
ولا شك فإن العالم أمام مسؤولية تاريخية مشتركة بين الجميع نحو كوكب الأرض وإنقاذه، حيث إن حجم التحديات ضخم للغاية، والعواقب والآثار السلبية تطول الجميع، ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا عبر الالتزام بعددٍ من الأهداف، ومنها: تخفيض انبعاث الغازات الدفيئة، وزيادة إنتاج الطاقة المتجددة، إضافة إلى الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى "أقل بكثير" من 2 درجة مئوية، مع وضع هدف إيصالها إلى 1.5 درجة مئوية، فضلاً عن الالتزام بضخ مليارات الدولارات لمساعدة البلدان الفقيرة على التعامل مع تأثير تغير المناخ، وهي الأهداف التي أقرها المشاركون في اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، وينتظر مراجعتها في محادثات التغير المناخي برعاية الأمم المتحدة في دورتها السادسة والعشرين في اسكتلندا هذا العام.