السعودية وأمريكا.. صداقة تاريخية بدأت من "البحيرات المُرَة" على مدى 87 عاماً

عمق العلاقة بين البلدين يرتقي بنوعية الاستقبالات المتبادلة بين القادة
السعودية وأمريكا.. صداقة تاريخية بدأت من "البحيرات المُرَة" على مدى 87 عاماً

على أكثر من ثمانية عقود مضت ترسخت العلاقات السعودية ـ الأمريكية، بشكل سريع ومتطور، مع توافق كبير في أهم القضايا السياسية والاقتصادية، وهو ربما ما عكس على مستوى البروتوكول نوعية الاستقبالات الخاصة، حظي بها قادة البلدين، أثناء إجراء الزيارات المتبادلة، وبعض هذه الاستقبالات كان تاريخياً.

ولطالما أعلن البلدان أن علاقتهما قوية وراسخة، وتوافقت كثيراً التوجهات في السياسات الخارجية، كما أكدت الرياض سعيها لتنامي هذه العلاقات على الكثير من الأصعدة، بما يفيد الشعبين الصديقين، وهو ما لقي ترحيبا مماثلا من الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعلنت من جانبها، أكثر من مرة، أن المملكة دولة مهمة ومؤثرة، تتمتع بثقل ديني واقتصادي وسياسي، ومن المهم بالنسبة أن توثق علاقتها بالرياض، وأن ترتقي بشراكتها معها، في الكثير من المجالات. وقد أسفر هذا المشهد عن نموذج مثالي من العلاقات الدولية بين الرياض وواشنطن.

وتعمق زيارة المرتقبة لسمو ولي العهد، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، إلى أمريكا، يوم الثلاثاء 20 مارس، من أواصر هذه العلاقات، وتسير بها إلى آفاق رحبة، ويدل على ذلك الجدول الزمني الحافل لزيارة ولي العهد، التي تستمر ثلاثة أيام، سيزور خلالها العاصمة واشنطن، وعدد من الولايات ويلتقي عدداً من المسؤولين السياسيين والاقتصاديين ورجال الأعمال.

العلاقات الثنائية

ويعود تاريخ العلاقات الثنائية بين المملكة وأمريكا، إلى بدايات الثلاثينيات من القرن الماضي، وتحديداً في عام 1931م، عندما ظهرت بشائر إنتاج النفط في المملكة بشكل تجاري. لكن التحول الحقيقي للعلاقات بين البلدين يعود لاجتماع "البحيرات المرة"، بين المؤسس الملك عبد العزيز والرئيس الأمريكي "روزفلت" على متن الطراد الأمريكي يو إس إس كونسي في 14 فبراير 1945م. حينما منح الملك عبدالعزيز حق التنقيب عن النفط في المملكة لشركة أمريكية، تبعها توقيع اتفاقية تعاون بين البلدين عام 1933م.

ملفات استراتيجية

وسبق لولي العهد، أن زار الولايات المتحدة الأمريكية عدة مرات، كان أهمها الزيارة التي قام بها في يونيو 2016، عندما كان وليا لولي العهد، وصفت هذه الزيارة بـ "المهمة"، واستغرقت أياماً عدة، وبدأت بالعاصمة واشنطن، والتقي عدداً من كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية لبحث ملفات استراتيجية ومهمة.

وشملت المحادثات مع الرئيس باراك أوباما، ملفات المنطقة، خصوصاً اليمن، وسوريا، والعراق، وليبيا، وأمن الخليج، كما تطرقت للتحالف العسكري الإسلامي الذي تقوده السعودية لمحاربة الإرهاب بعضوية 40 دولة، إضافة إلى الحرب على "داعش" و"القاعدة".

كما زار سموه أمريكا في عهد ترامب، في مارس 2016، ونال هذا اللقاء اهتمام وسائل الإعلام العالمية، التي أكدت أن ولي العهد أعاد الدفء إلى علاقات المملكة مع أمريكا.

استقبال تاريخي

ولا تنسى ذاكرة التاريخ، الاستقبال التاريخي الذي لقيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السعودية، عندما قرر أن تكون الرياض محطته الأولى في أول زيارة خارجية له، عقب توليه رئاسة البلاد، وعقد ترامب لقاء قمة مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، كما شارك في أعمال القمة الخليجية الأمريكية، وأعمال القمة العربية الإسلامية الأمريكية حيث حظي باستقبال قال هو عنه:" "كان ذلك مذهلا للغاية. ولا أعتقد أنه سبق أن حدث شيء مثله. ويبدو لي أنه تجاوز حدود أي شيء رأه أحد حتى اليوم".

زيارات مستمرة:

عززت التطورات في العلاقات بين البلدين الصديقين، والزيارات المتبادلة بين القيادتين والمسؤولين في البلدين من مستوى العلاقات، ففي عام 1938م بعث الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ يرحمة الله ـ رسالة إلى الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفلت، أوضح فيها الخطورة جراء تدفق المهاجرين اليهود إلى أرض فلسطين العربية وفي 1940م أعلنت الولايات المتحدة اعتماد ممثلها في القاهرة ممثلا لها في المملكة، وقد أوفد الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ في شهر اكتوبر من العام نفسه ابنيه الأميرين فيصل وخالد ( يرحمهما الله) للولايات المتحدة في أول وفد سعودي عال المستوى، يزور الولايات المتحدة، وقد استقبلهما الرئيس روزفلت وكبار المسؤولين الأمريكيين خلال وجودهما في واشنطن.

وفي العام 1944م، تم افتتاح أول مكتب دبلوماسي في واشنطن كمفوضيه للمملكة العربية السعودية ثم جرى ترفيعها فيما بعد إلى سفارة، كما تم في نفس العام إنشاء قنصلية أمريكية في الظهران، وجاء بعد اللقاء التاريخي الذي جمع الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت والزيارات المتبادلة بين القيادتين في البلدين الصديقين وكبار المسؤولين فيهما.

وكان الملك سعود بن عبدالعزيز أول ملك سعودي يقوم بزيارة للولايات المتحدة، وذلك في 12 يناير من العام 1947م اجتمع خلالها بالرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور في حين كان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون أول رئيس أمريكي يزور المملكة، حيث وصل إلى جدة في 14 يونيو 1974م في زيارة للمملكة اجتمع خلالها مع جلالة الملك فيصل رحمه الله.

وفي شهر يونيو من عام 1945م زار الأمير فيصل بن عبدالعزيز، الولايات المتحدة الأمريكية ممثلاً للملك عبدالعزيز – تغمدهما الله بواسع رحمته – لحضور تأسيس الأمم المتحدة في مدينة سان فرنسيسكو، وفي عام 1951م تم تحويل اسم الشركة الأمريكية المنقبة عن النفط في المملكة من "شركة كاليفورنيا أربيان ستاندرد أويل" إلى "الشركة العربية الأمريكية للنفط" التي عرفت فيما يبعد بشركة "أرامكو السعودية"، وفي عام 1951م وقعت اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين.

وخلال شهر فبراير عام 1962م، زار الملك سعود بن عبدالعزيز – يرحمه الله – الولايات المتحدة مرة ثانية، واجتمع مع الرئيس الأمريكي جون كيندي لتعزيز العلاقات الاقتصادية وتلبية حاجة المملكة الأمنية، وفي عام 1966م التقى الملك فيصل بالرئيس الأمريكي لندون جونسون، وبحث معه تأسيس شراكة سعودية أمريكية لعمل مشروعات التنمية في المملكة.

والتقى الملك فيصل – رحمه الله – عام 1971م بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في واشنطن، وتم عام 1974م تأسيس اللجنة الاقتصادية السعودية الأمريكية المشتركة. وزار الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – أمريكا في شهر أكتوبر 1978م ، وفي العام ذاته زار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر الرياض، واجتمع مع الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود – يرحمه الله – وبحثا إلى جانب العلاقات الثنائية، ما عرف بمشروع الرئيس كارتر لتحريك عملية السلام بين العرب واسرائيل.

زيارات رسمية

وشهدت الولايات المتحدة زيارات رسمية لعدد من أصحاب السمو الأمراء، منهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود – يرحمه الله – الذي زارها عدّة مرات منها برفقة الأمير فيصل بن عبدالعزيز (الملك فيما بعد) – يرحمه الله – عام (1364هـ 1945م) وعام (1389هـ 1969م) حينما كان نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، كما زارها عام (1394هـ 1974م) وعام (1397هـ 1977م) حين كان ولياً للعهد.

وفي 1985م زار الملك فهد بن عبدالعزيز – يرحمه الله – الولايات المتحدة والتقى الرئيس الأمريكي رونالد ريجان في واشنطن، في حين زار الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) المملكة ثلاث مرات، الأولى عام 1990م، تلتها زيارة عام 1991م، ثم عام 1992م، وفي كل هذه الزيارات كان الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله – على رأس مستقبليه.

وفي 1994م زار الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون المملكة، والتقى الملك فهد بن عبدالعزيز – يرحمه الله – في قاعدة حفر الباطن، وبحثا العلاقات بين البلدين.

وقابل صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عام 1998م – حينما كان وليا للعهد-الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في زيارته لأمريكا في إطار جولة عالمية، شملت سبع دول، وسبق ذلك لقاءات بين كبار المسؤولين في البلدين، منها اجتماع الملك فهد والأمير عبدالله بنائب الرئيس الأمريكي آل غور عندما زار المملكة، واجتماع صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود – يرحمه الله – عندما كان نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والمفتش العام بالرئيس كلينتون في البيت الأبيض.

وزار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – يرحمه الله – أمريكا – حين كان ولياً للعهد – عدة مرات، ففي السابع عشر من شهر أكتوبر 1987م زار الملك أمريكا، وقابل في هذه الزيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، وفي عام 1419هـ 1998م قام بزيارة أخرى إلى واشنطن، ثم أتبعها بزيارة أخرى عام 1421هـ 2000م.

وزاد التقارب السعودي الأمريكي أكثر، الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – يرحمه الله – إلى الولايات المتحدة عام 2005م – حينما كان وليا للعهد – وما تم خلالها من اتفاقيات علميه وقعها مع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، لتفتح آفاقا واسعة في علاقات البلدين، والعمل على تنسيق المواقف حول القضايا الاستراتيجية والسياسية التي تهم البلدين الصديقين.

في عام 2008م، قام الرئيس الأمريكي جورج بوش بزيارتين للمملكة، الأولى في شهر يناير والثانية في شهر مايو من العام ذاته، التقى خلالهما خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله، وفي الثالث عشر من شهر نوفمبر 2008م استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ في مقر إقامته بمدينة نيويورك الرئيس الأمريكي جورج بوش، الذي ثمن مبادرة خادم الحرمين الشريفين بالدعوة إلى اجتماع حوار أتباع الأديان والحضارات والثقافات في مقر منظمة الأمم المتحدة بنيويورك، مشيرًا إلى أن انعقاد الاجتماع في مقر المنظمة يعد تكريماً وتحية لدور الملك عبدالله بن عبدالعزيز في تعميم ثقافة السلام والتقارب بين أتباع الأديان.

10 سنوات

أما في الخامس عشر من الشهر نفسه، شارك خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – يرحمه الله – في اجتماع قمة مجموعة العشرين الاقتصادية بواشنطن، وكان في استقباله لدى وصولة مقر الاجتماع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش. وقام الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بزيارة إلى المملكة في شهر يونيو من عام 2009م،.

كما زار الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود – يرحمه الله- الولايات المتحدة الأمريكية عدة مرات من بينها في 29-9-1985م، بتكليف من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد – يرحمه الله – لإلقاء كلمة المملكة في الأمم المتحدة، ثم قام بزيارة رسمية لنيويورك في الشهر نفسه وقابل الرئيس الأمريكي ريجان.

وبعد هذه الرحلة بعشر سنوات أخرى، قام سموه – يرحمه الله – برحلة إلى أمريكا عام 1416هـ 1985م، لحضور احتفالات الأمم المتحدة بعامها الخمسين، وفي شهر رجب من عام 1420هـ نوفمبر 1999م، زار سموه أمريكا مرة أخرى وقابل الرئيس الأمريكي بيل كلنتون.

كما زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ـ يحفظه الله ـ حينما كان وليآ للعهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الولايات المتحدة الأمريكية في 11 إبريل 2012م بدعوةٍ من وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا، والتقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وبحث تعزيز العلاقات بين البلدين خاصة في المجال العسكري والاستراتيجي المشترك.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org