وكيل جامعة الإمام: قرار المملكة بتعليق العمرة بسبب كورونا مبني على أسس شرعية وفقهية

قال إن العبادات والمعاملات تضبط بضوابط السلامة والقدرة وهذا ميزة الشرع الإسلامي
وكيل جامعة الإمام: قرار المملكة بتعليق العمرة بسبب كورونا مبني على أسس شرعية وفقهية

أكد وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لشؤون المعاهد العلمية الدكتور عبدالله بن ثاني أن ما اتخذته المملكة العربية السعودية من إجراءات بتأجيل دخول المعتمرين وغيرهم للحرمين الشريفين دون الصلوات المكتوبة بسبب تفشي مرض كورونا المعدي، واجب عليها حماية للناس والمجتمعات، بل إنه من أولى مسؤولياتها على الإطلاق تجاه الحرمين الشريفين إلزامًا شرعيًا للمملكة.

وفي التفاصيل، أوضح الدكتور عبدالله بن ثاني أن ذلك يأتي تحقيقًا لقوله تعالى : "أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود"، بل إن المقصر في مسؤولياته يأثم ويكون الإلزام في حق الحرمين الشريفين أولى وأوجب، وهذا ما فعلته الدولة أعزها الله.

لفت "ابن ثاني" إلى أنه لا يجوز شرعًا على الفرد الصحيح أن يقترب من المريض المصاب بمرض معدٍ وكذلك لا يجوز شرعًا على المريض أن يختلط بإخوانه المسلمين، وعطفًا عليه فالعبادات والمعاملات تضبط بضوابط السلامة والقدرة والمصلحة والمآل وهذا ميزة الشرع الإسلامي من باب التيسير على المسلمين ورعاية ضروراتهم الخمس، كما قال تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا.." وقال تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة".

وأردف: من كمال الشريعة أنها جاءت صالحة لكل زمان ومكان وتدور أحكامها الشرعية حيث تدور العلة التي توافرت في هذا الوباء المعدي المرعب كورونا ، وقد نص الفقهاء على أنه لا ينبغي لمن أصيب بمرض معدٍ أن يصلي مع جماعة المسلمين والمرض من الأعذار التي تبيح التخلف عن صلاة الجمعة والجماعة وليس الزيارة وأداء العمرة التي لم تحدد بوقت معين بل هي مفتوحة في كل الشهور وإذا كان المرض معديًا فالتشديد فيه أقوى حماية للمسلمين من العدوى وتفشي المرض، بل إن من يخالف هذا القرار المتخذ لمصلحة عامة يستوجب تأديبه ولن يتحقق له الأجر في مخالفته لأنه يلحق الضرر بالمسلم الذي حرمة دمه عند الله عظيمة.

وقال إن قرار الدولة بالتعليق المؤقت للعمرة والزيارة حماية للمسلم من الوباء الفتاك، فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرًا) رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/630 ، مضيفًا، ونظر ابن عمر رضي الله عنه يومًا إلى البيت أو إلى الكعبة فقال (ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك) رواه الترمذي.

وأضاف: إذا كان العلماء قد نصوا على أنه يعذر من به مرض مؤذٍ عن الجمعة والجماعة فضلاً عن المعدي فإنه يعذر من مخالطة الناس في أنواع العبادة كلها إذ نص الفقهاء على منع حضور المجذوم والأبرص(هكذا نص الفقهاء) ومن به رائحة كريهة إلى المساجد وهي محصورة العدد وليس الوقت وقت وباء فما بالك بالزحام في الحرمين الشريفين وقت هذا الوباء كورونا والأذية بالمرض المعدي أكبر من رائحة الثوم والبصل للحديث الصحيح :"من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربن مسجدنا "، وكذلك لحديث البخاري: " فر من المجذوم كما تفر من الأسد" ، ولذلك قال الحطاب في التاج والإكليل: "وعذر تركها الجمعة والجماعة شدة وحل فمطر أو جذام"، ونص البهوتي في كتابه كشاف القناع: "وكذا من به برص وجذام يتأذى به قياسًا على أكل الثوم ونحوه بجامع الأذى ويأتي في التغرير منع الجذمى من مخالطة الأصحاء"، ولذلك نص الفقهاء أنه يجوز للسلطان منع مخالطة الأصحاء المرضى للمصلحة في مثل هذه المسائل وفق القواعد الفقهية المعتبرة شرعًا، ولا أدل على ذلك من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم حينما وفد عليه وفد ثقيف وكان منهم رجل مجذوم، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا قد بايعناك فارجع"، حتى لا يختلط هذا المريض بهم فكيف بزوار كثيرين من مختلف الدول المصابة بالوباء كورونا وكما أن الفقهاء جوزوا أن يفرق بين المسلم وبين زوجته إذا تجذم كان أحرى أن يفرق بينه وبين الناس في الجمعة والجماعة.

وتابع: يؤكد ذلك أن قرار الدولة حماية الحرمين الشريفين من فتك وباء كورونا فيرحمه الشرعي المعتبر والواجب عليها ألا تتخلى عنه ومما يؤكد شرعيته النصوص الصريحة التي وردت في نهي المسلم عن الدخول إلى أرض وقع بها الطاعون وكذلك الخروج منها لاعتبارات شرعية ويقاس على الطاعون أي مرض ووباء مثل (كورونا) لأنها تشترك في طرق العدوى والنتائج الفتاكة، ومن ذلك ما رواه الإمام البخاري عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سمعتم به(يعني الطاعون) بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه" ومثله عند الإمام مسلم أيضًا، وليس هناك ما يخصص الحديث في نوعية الخروج بين الفرار وغيره من الأشغال إذ الهدف من ذلك حماية المجتمع من تفشي الوباء وهذا يحصل بالمخالطة إذ لا علة معتبرة في تقييد الخروج بالفرار فقط وبخاصة في هذا الزمن الذي كثر به البشر واختلطوا واتصلت المدن وترابطت الدول، والحرمان الشريفان ليسا موضع استشفاء بل إن في غيرهما من المدن ما هو أجدى في العلاج والاستشفاء وهذا السياق الشرعي لقرار تأجيل زيارة الحرمين في هذه الظروف، كما أن إبعاد الرسول صلى الله عليه وسلم العرنيين الذين استوخموا من المدينة وقد رواه الشيخان البخاري ومسلم يؤكد ضرورة إبعاد المريض من المدينة المنورة ومكة المكرمة والحرمين الشريفين لمصلحة الاستشفاء فما بالك بما هو أشد فتكًا وأكثر عدوى والمنع استشفاء وحجر صحي ضرورة وإلزام وقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم قاعدة في الوقاية من الأوبئة والحد من انتشارها وضرورة الحجر الصحي الذي تلتزمه الدول والمنظمات الصحية اليوم في الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان "لا يوردن ممرض على مصح" وقد فصل ابن القيم رحمه الله في الأسباب التي من أجلها منع الشرع الدخول والخروج لأرض الوباء، وقد طبق ذلك عمليًا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في وباء الشام.

وبيّن الدكتور "ابن ثاني" أن قرار المملكة العربية السعودية في عزل الأصحاء عن المرضى وتلمس سبل سلامة المسلمين في تأجيل العمرة وزيارة الحرمين الشريفين مطلب شرعي وضرورة صحية تحكمها القواعد الفقهية المعتبرة، فمن القواعد الكلية الخمس الكبرى التي اتفق عليها علماء الفقه والأصول: الأمور بمقاصدها، ولاشك أن قرار الدولة كان يدور حول حماية المسلمين من هذا الوباء الذي ينتشر في بعض الدول بشكل مرعب فهو مقصد شرعي ومطلب من مطالب الضرورة.

وأضاف: كما أن المسلم الذي يلتزم بالقرار يؤجر سمعًا وطاعة ومصلحة إذ جاء في الحديث الصحيح أن الله غفر لرجل سقى كلبًا وآخر قطع شجرة كانت تؤذي المسلمين في طريقهم، فما بالك بمن يستحضر النية في حماية المسلمين من مرض معدٍ خطير.

وأوضح أن من القواعد الفقهية الخمس الكبرى أيضًا الضرر يزال ، وقرار الدولة هو لإزالة الضرر الحاصل من المخالطة بين المسلمين القادمين من مختلف الدول في الحرمين الشريفين، ومنها أيضًا قاعدة المشقة تجلب التيسير، إذ إن في قرار المنع الرسمي تيسيرًا على المسلمين لأن تفشي الفيروس مشقة وكارثة، بل إن هذا القرار في حماية المسلمين من هذا الوباء المرعب كورونا يحمل في مضامينه كل ما في القواعد الفقهية الأخرى من مآلات ومقاصد مثل : الضرورات تبيح المحظورات، ويختار أهون الشرين، ويتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام ، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وتصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة. بل إن فقهاء الإسلام استحضروا وقاسوا مسائل كثيرة على إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم والبصل من المسجد النبوي، فكيف بمرض خطير معدٍ مثل كورونا .

وأكمل: قد قاس فقهاء الإسلام على ذلك أمورًا وحوادث ومستجدات أخف من ضرر كورونا، وتأكيدًا لهذا فقد حالف التوفيق المملكة وولاة أمورها باتخاذ هذا القرار الحكيم في هذا الوقت بتعليق العمرة والزيارة للحرمين الشريفين دون الصلوات المفروضة وتقليل الاختلاط والمخالطة قدر المستطاع والمنع من دخولهم فقط لفترة محددة دون بقية المساجد والأماكن لأنهما مظنة شد الرحال من الدول المتضررة وكذلك تعليقهما للمواطنين دون غيرهما وكذلك تأجيل المؤتمرات والتجمعات والورش والدراسات في بعض الدول المتضررة لمصلحة معتبرة وضرورة شرعية حتى تنجلي هذه الغمة وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد منع الصحابة من إخراج الأعرابي الذي بال في مسجده حتى لا تتجاوز النجاسة مقدارها وتبقى في رحمها ولا تتفشى في بقية المسجد فكذلك روح قرار المملكة الذي يحاصر نجاسة الوباء في مكانها وعدم نقل فيروساتها كمطلب شرعي.

وزاد: لا ننسى ما أفتى به العلامة ابن عثيمين رحمه الله بنصيحة أولياء المختل عقليًا أن يمنعوه من المسجد (فتاوى نور على الدرب شريط 209)، وكذلك أفتى سماحة الشيخ ابن باز بمنع الحائض والجنب من دخول المسجد إلا عابر السبيل بناء على النصوص الشرعية فكيف بمرض خطير متفشٍ في العالم، والحمد لله وجد هذا القرار ترحيبًا من عامة المسلمين لثقتهم برعاية المملكة وقادتها للحجاج والمعتمرين، داعيًا الله لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين بالتوفيق لما فيه الخير والصلاح والمصلحة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org