طيلة ما يقرب من ثلاثة قرون متصلة، وتحديدًا منذ عام 1446م تاريخ تأسيس الأمير مانع المريدي لمدينة الدرعية، إلى فبراير 1727م، بداية تولى الإمام محمد بن سعود حكم الدرعية، تمكن القادة المتعاقبون على حكم المدينة بدءًا من الأمير مانع المريدي وذريته من بعده، من الاستقلال التام بالدرعية، وممارسة السيادة الكاملة عليها، وتحقيق الاستقرار لسكانها، من خلال توفير أسباب الحماية، وممارسة التجارة، وتأمين طرق التجارة والحج؛ مما جعل منها دولة مصغرة، ومدينة تتوفر فيها مقومات مفهوم "الدولة المدينة"، التي نشأت تاريخيًا قبل الميلاد في عدد من المدن اليونانية مثل، أثينا، وإسبرطة، ومقدونيا.
ولم تستمر الدرعية على وضعها كدولة مدينة، فقد شهدت تحولاً كلياً في مقوماتها على يد الإمام محمد بن سعود بداية من 22 فبراير 1727م، فانتقلت إلى مرحلة الدولة الحقيقية والكيان السياسي الذي تتوفر فيه كل أركان الدولة بمفهومها الحديث، وعرفت بـ"الدولة السعودية الأولى"، وقد وصل الإمام محمد بن سعود بالدولة الوليدة إلى مرحلة الدولة الحقيقية بالتدريج، واستغرق وقتاً في بنائها، ويُعد حدث توليه حكم الدرعية في 22 فبراير 1727م الانطلاقة الأساسية لنشأة هذه الدولة، ويوم التأسيس لقيامها، وتُمثِل الأعمال التي نهض بها الإمام محمد بن سعود في بداية حكمه، ومنها توحيد شطري الدرعية وجعلها تحت حكم واحد، بعد أن كان حكمها موزعاً على مركزين، تُمثِل اللبنة الأولى في تأسيس وإنشاء الدولة السعودية الأولى.
وفي تجسيده لفكرة الدولة وتحقيقها في الواقع الجغرافي والتاريخي لتلك الحقبة من القرن الثامن عشر الميلادي، قام الإمام محمد بن سعود بالعديد من الأعمال التي تطلبها توسيع نطاق الدولة من جهة وتوطيد حكمه فيها من جهة أخرى، فشرع في إطلاق حملات التوحيد، وقاد الجيوش خلالها بنفسه، ولم تكن الحملات العسكرية هي الوسيلة الوحيدة في توسيع حدود الدولة، فقد اعتمد الإمام لغة الحوار مع العديد من زعماء المدن المجاورة، ونجح في إقناعهم بالانضمام إلى الدولة الجديدة، حتى وحد معظم منطقة نجد، وظهرت الدولة السعودية الأولى على مسرح الواقع السياسي لشبه الجزيرة العربية كأقوى كيان سياسي في تلك الفترة، بعد أن أحبط كل المحاولات المعادية للقضاء على تلك الدولة الفتية.
وعلى صعيد توطيد حكمه اعتنى الإمام بتأمين طرق الحج والتجارة، فأصبحت نجد من المناطق الآمنة، وأعطى الأولوية لنشر الاستقرار في ربوع الدولة، فشهدتها مناطقها أمناً وازدهاراً لم تعرفه خلال حقب ما قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى، كما قنن عملية الحصول على الموارد اللازمة للدولة وسكانها، وتوفير أسباب عيشهم، واهتم بالتطوير العمراني للعاصمة الدرعية، فأمر ببناء حي جديد في سمحان، هو حي الطرفية، وانتقل للإقامة فيه، بعد أن كان حي غصيبة هو مركز الحكم لفترة طويلة، كما أمر ببناء سور الدرعية للتصدي لأي هجمات خارجية قد تستهدف العاصمة من شرق الجزيرة العربية. كما ناصر الدعوة الإصلاحية وحماها ليكون للدولة دور بارز في دعم العلم والتعليم.