نيويورك تايمز.. كفى هذياناً!

نيويورك تايمز.. كفى هذياناً!
تم النشر في

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرا مقالاً عنونته بـ "انخفاض أسعار النفط يجبر السعودية على توسيع دائرة الأصدقاء!"

Lower Oil Prices Force Saudis to Widen Their Circle of" Friends"

وقد نشرت قبل عامين مقالا عنونته بـ "كيف صوبت السعودية أخطر سلاح إلى نفسها»

"How Saudi Arabia Turned Its Greatest Weapon on Itself"

كلا المقالين يحملان نفس الصياغة بقلب واضح للحقائق ، وخروج فاضح عن المهنية ، فبدلا من تقدير وإجلال دور المملكة العربية السعودية في ما قامت به من جهد ، وما قدمته من تضحيات لإستمرار إمداد العالم بالنفط على مدى عقود وضمان توازن العرض والطلب في أسواق النفط .. تأتي صحيفة بهذا القدر ، يفترض فيها توخي الدقة والمصداقية لتوهم قارئها بهتانا بأن المملكة تارة تستخدم النفط كسلاح وتارة تركت العالم تحت رحمة طموحاتها ومصالحها ، وأن انخفاض أسعار النفط أضعف قوة المملكة اقتصاديا واستراتيجيا وأجبرها على توسيع دائرة الأصدقاء!

ولم تذكر الصحيفة العمق الإستراتيجي للمملكة وتأنيها ، وأخذها للأمور بما تستحقه من الحكمة والمواقف الثابتة ، وأن المملكة هي الشريك القادر على تحقيق الإستقرار والتموضع الذي تسعى لتحقيقه اي دولة مع حليف استراتيجي لديه كل ما يلزم لتحقيق التوازن بين تكتلات المنطقة والعالم.

الكيان السعودي العملاق الذي يحرك أعين العالم حيث يتحرك قادتها ، تدعي مقالة نيويورك تايمز أنها "خلقت وفرة من النفط العالمي للحصول على الحصة الأكبر من السوق وضرب الأسعار في منتصف الثمانينيات". ومقالة صحيفة نيويورك تايمز أغفلت حقيقة أن الركود في أسعار النفط في منتصف الثمانينات يرجع إلى الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الأمريكي من ألاسكا ، والذي وصل في نهاية المطاف إلى مليوني برميل يوميا، وهو مساهم رئيسي في وفرة المعروض. ويجب أن نتساءل عما إذا كانت صحيفة نيويورك تايمز تعرف أنه في عام 1985، انخفض إنتاج النفط السعودي إلى مستويات منخفضة تاريخيا عندما هبط الإنتاج من 10 ملايين برميل يوميا في عام 1981. فكيف تدعي الصحيفة أن المملكة في عام 1985 وعام 1986 أغرقت الأسواق بالنفط مما أدى إلى انهيار الأسعار، ما تسبب بدوره في فوضى كبرى أدت إلى انهيار الاتحاد السوفيتي»!!!!

وهذا كله يعد تعديا سافرا وتزييفا للحقائق ونكرانا لدور المملكة الإيجابي وبخسا لجهد المتواصل. وليت (صحيفة نيويورك تايمز) توقفت عند هذا التهكم بل إمعانا في التضليل وتأكيدا لإنكار الجميل جاءت بمفاجأة أطم عندما قررت في نفس المقال أن "سلاح النفط السعودي هو الذي أطاح بالاتحاد السوفيتي" وذلك بإشارتها إلى أن أسعار النفط كانت هي الفيصل في إنهاء الحرب الباردة. حيث كان الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت قوة شيوعية عظمى ومنتجاً أساسياً للنفط ويعتمد اقتصاده على عائدات كل من النفط والغاز.

قدمت السعودية تضحية اقتصادية كبيرة عندما لم يقدم أي من منتجي النفط أيا من تلك التضحيات! دور المملكة الواثق ، وريادتها الفعالة في إمدادات العالم بالطاقة ، بكل كفاءة واقتدار ، كان له الأثر الأبرز في تقدم الثورة الصناعية والإقتصادية ليس فقط في أمريكا بل العالم أجمع .. وشمس الظهيرة لا يمكن أن تحجب بغربال ..!!

مقالة نيويورك تايمز مليئة بالتناقضات ، فكيف تفقد السعودية سيطرتها على أسواق النفط وتفقد قوتها ودورها القيادي في منظمة الأوبك ، وهي تتحمل الحصة الأكبر من خفض الإنتاج %41 ، في حين تنتج %31 من نسبة منتجي أعضاء أوبك؟

السعودية هي أكبر مصدر للنفط في العالم، وستبقى المملكة بمشيئة الله لاعبا أساسيا في الإمدادات النفطية على مستوى العالم! كما أصبحت واحدة من أهم اللاعبين في مجال تكرير النفط الخام وتصديره كمنتجات النفطية.

وعندما نسترجع الحقائق المهمة في الموضوع ، حيث يثبت بطلان تلك الادعاءات السقيمة ، ونسرد شيئاً من التاريخ النفطي الذي تم تجاهله. حتى وإن حاولت (صحيفة نيويورك تايمز) عبر مقالها الزائف قلب الحقائق فإنها لن تستطيع بأي حال من الأحوال تغيير تاريخ المملكة المشرف، ولا مواقفها التي أشاد بها رغم التحولات الكبرى في المنطقة العدو قبل الصديق.

تجاهلت صحيفة نيويورك تايمز الحقائق النفطية التالية:

أولاً: مستويات إنتاج النفط الامريكي ووارداتها النفطية في عامي 1985 وعام 1986 وصلت إنتاج الى مستويات تاريخية مرتفعة (9 ملايين برميل يوميا)، كما وصلت واردات امريكا من النفط الى مستويات تاريخية متدنية ، زهذا السيناريو مشابه إلى حد ما الأعوام الحالية بنفس الصورة من إنتاج عال من النفط الأمريكي وانخفاض واردات النفط، وذلك بسبب الإنتاج المحلي للنفط الأمريكي.

ثانيا: إنتاج النفط الأمريكي من ألاسكا ("ANS" - Alaskan North Slop)، الذي بدأ إنتاجه في أواخر السبعينيات قد وصل ذروة إنتاجه إلى 2 مليون برميل يوميا في عام 1986 وهو الوقت الذي قللت فيه أمريكا من وارداتها النفطية إجمالا كما هو الحال في هذه الأيام .. حتى وإن هبط مؤخرا إنتاج ألاسكا إلى أقل مستوياته حيث تدنى إلى نحو 500 ألف برميل يوميا مؤخرا ، فإن ذلك قد عوض من إنتاج أمريكا من النفط الصخري الذي أغرق الأسواق وتسبب في تخمة المعروض وانخفاض الأسعار في الأعوام الأخيرة!

ثالثا: صادرات المملكة من النفط إلى أمريكا قد هبطت بالفعل إلى مستويات متدنية في عام 1986، ولكن ذلك الهبوط كان بديهيا ؛ لأن واردات أمريكا إجمالا من النفط قد هبطت وليس فقط من المملكة كما أوضحت سابقا. وأحد أهم أسباب تدني واردات أمريكا من النفط هو قيمة الدولار الأمريكي .

رابعا: مؤشر الدولار الأمريكي أو (US Dollar Index) الذي يقيس قيمة الدولار مقابل العملات الأجنبية الرئيسية، قد بلغ ذروته في عام 1985 وذلك حين تعدى 150 نقطة، ويعد هذا تسجيلا لأعلى رقم له في التاريخ، وانخفض مؤشر الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى له وهو 70 نقطة في عام 2008 أثناء الأزمة المالية العالمية. فإذا ارتفع مؤشر الدولار فإنه يكتسب قوة في مقابل سلة العملات الأخرى.

ومن خلال ما سبق نخلص إلى أن فكر الإعلام الغربي في مجال النفط يقلب الحقائق ويضلل القارئ ، ويقيس بمعايير مزدوجة. فكيف تستخدم المملكة سلاح النفط في نفس الأعوام التي يصل فيها إنتاج النفط الأمريكي إلى مستويات مرتفعة مع خفض واردات أمريكا من النفط؟!

وبالتالي، يجب أن نتساءل إذا كانت صحيفة نيويورك تايمز تهرف بما لاتعرف أو أنها تعاني من الهذيان. ولعل الصحيفة تواجه صعوبة في فهم التحول الاقتصادي الهائل الجاري في المملكة العربية السعودية، والذي سيعزز ترتيب المملكة بين دول مجموعة ال 20 بالرغم من الإعتماد الأقل على العائدات النفطية!

ويبدو أن صحيفة نيويورك تايمز قد نسيت الاعتراف بالدور التاريخي والمستمر الذي تقوم به المملكة العربية السعودية لتحقيق التوازن في أسواق النفط العالمية وتعزيزها. وباعتبارها أكبر مصدر للنفط ، لا تزال المملكة العربية السعودية تستخدم النفوط القياسية العالمية لتسعير النفط الخام (Benchmarks) . بدلا من ذلك، كان يمكن للمملكة أن تستخدم نفطها كنفط قياسي مع مزيد من الشفافية التي تحكمها قوى العرض والطلب مع عكس حقيقي وعادل لأساسيات السوق ومعنوياته!

فهل لا نزال نسمع هذا الهذيان من صحيفة نيويورك تايمز بعد نجاح المملكة العربية السعودية في تحقيق أهداف رؤية عام 2030 والتقدم اقتصاديا مع اعتماد أقل على النفط ؟! أو أنها سوف تبحث عن قصص أخرى مثيرة للاهتمام؟!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org