فتاة تايلاند.. ماذا بعد؟

فتاة تايلاند.. ماذا بعد؟

كل مرة أكتب مقالاً أحاول أن أخرج من المشهد حتى أنقل صورة واضحة للقُراء الأعزاء بحيادية وموضوعية.. إنما في هذه القضية تحديدًا تولد عندي شعور، وكأن الحالة تخصني؛ لذا وجدت صعوبة في الخروج من الصورة، والنظر إليها عن بُعد..

القضية تمس كل أب، وكل أُم، ثم كل أسرة ومجتمع.

قد تصنف على أنها من القضايا الفردية أو الأسرية، وقد تكون فتاة تايلاند هي رأس الجبل الجليدي، ٩٠ ٪ منه كامن تحت سطح الماء، فهل نترك الأمر دون مراجعة؟

لا نريد جَلْد الذات في هذا الوقت تحديدًا؛ كون القضية قد آلت إلى منظمات دولية حتى أصبحت البنت مواطنة كندية، ولا نريد أن نقسو على أسرتها المفجوعة في أعز ما تملك. كما يجدر بنا مناقشة القضية من جميع جوانبها؛ كي نخرج بأجوبة شافية كافية عن كل الأسئلة التي تدور حول ملابسات هروبها وارتدادها عن دينها!

لقد صوَّروا للبنت أن اللجوء رحلة سياحية، ثم رسموا لها صورًا وردية لمستقبلها بلا دين وأسرة، وأن الإقامة في الغرب جنة الخلد، وحياتهم هناك كلها حب وورود ولهو ولعب.. مؤكد أنهم قالوا لها إن الدولة هناك سوف تقدم لها سبل العيش الكريم بالمجان بدون تعب.. كل هذا تزييف لواقع الحياة في الغرب التي تعتمد على كد وعمل الشخص نفسه؛ فاليوم الذي يتعطل فيه الشخص عن العمل لن يجد من يربت على كتفه ليقدم له ما يأكله إلا بمقابل، وربما يكون الثمن غاليًا جدًّا.

لقد خدعوا المسكينة بالتشجيع والتطبيل، وسموها بالمقموعة والمضطهدة، واستنفروا القاصي والداني لنجدتها، ثم نعتوها بالشجاعة!

ما الذي حصل في الدنيا حتى (تُختطف) فتاة من وسط إخوانها بهذه الصورة الدراماتيكية؟

شخصيًّا أعتبرها مختطفة فكريًّا وروحيًّا..

السؤال: كيف تمكنوا منها؛ ليغسلوا مخها بأوهام وخيالات؟

نعم.. تمكنوا منها عبر الإنترنت.. إذن، لم يعد مجديًا أن نغلق أبواب بيوتنا على الأبناء بالأقفال كما كنا نفعل في السابق..

إنني أدعوا الوالدين إلى تحصين أولادهما بالحب والحنان والحوار معهم بالتي هي أحسن، فاحتواؤهم بالأحضان ومصاحبتهم، فالنزول إلى مستوى تفكيرهم.. يفتح مجال للنقاش العقلاني معهم لتبيان ما ينفعهم وما يضرهم. كذلك علينا منحهم هامشًا مناسبًا للاستفادة من التجارب الخاطئة، مع تدريبهم على مهارات الحوار والتفكير، إلى جانب منحهم فرصة لإبداء الرأي والمشاركة في القرار الذي يخصهم ويخص الأسرة.

إنهم بحاجة إلى تحقيق ذواتهم، وتكوين شخصيتهم المستقلة بغض النظر عن العمر؛ فأبناء اليوم ليسوا كأبناء الأمس.. ولن يعوضك عن ابنك مناصب الدنيا وأموالها.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org