في أقصى الشمال الغربي من منطقة الرياض نشأ وترعرع الشاب فهد مستور العتيبي؛ إذ وُلد في مركز ساجر التابع لمحافظة الدوادمي بمنطقة الرياض، في أهم بلدان إقليم السر، الذي يشكل مع شقراء والدوادمي رأس مثلث، ويبعد عن مدينة الرياض 270 كم، ويربطها طريق (الرياض - شقراء – القصيم).
بدأ تعليمه في مدارس تحفيظ القرآن الكريم في المرحلتَيْن الابتدائية والمتوسطة، والأول الثانوي، ثم اضطر اضطرارًا للدراسة في مدرسة أهلية لتغيير مسار دراسته، وفي هذه الأثناء التحق بدورة عسكرية؛ ليوظَّف برتبة جندي، مع مواصلته الدراسة الثانوية التي أنهاها بتقدير ممتاز في المسار العلمي.
وجاء افتتاح كلية للعلوم بجامعة شقراء بجوار مقر سكنه بساجر بلسمًا على قلبه وعلى قاطني الإقليم؛ ليلتحق بقسم علوم الحاسب بالكلية، ويتخرج بتقدير امتياز مع عمله في السلك العسكري.
وبعد ثمانية أشهر تم تعيينه معيدًا بكلية العلوم بمدينة شرورة بجامعة نجران؛ فترك الوظيفة العسكرية، وبدأ مشواره مع العالمية؛ ليُبتعث لبريطانيا للدراسة في جامعة عالمية، تحتل المركز السابع عالميًّا، وما هي إلا سنوات حتى حصل "طالب مركز ساجر" على الماجستير في الأمن السيبراني.
واصل الطالب العتيبي التفوق العالمي؛ ليحصل على عدد من المنجزات العلمية العالمية في تقنية المعلومات والأمن السيبراني، ويتصدر غلاف أشهر المجلات العلمية في بريطانيا.
والآن يواصل الطالب العالمية والتفوق بدراسة الدكتوراه في الأمن السيبراني بكبرى جامعات العالم ببريطانيا؛ ليسطر مثلاً يُحتذى في الإصرار والتفوق والإبداع، ويعكس همة المواطن السعودي التي وصفها سمو ولي العهد -حفظه الله - بأنها همة كجبل طويق قوة وصلابة وصبرًا.
تلك الرحلة التي بدأت بمدارس تحفيظ القرآن بساجر مرورًا بجامعة شقراء، والعمل في السلك العسكري، فالتعيين في جامعة نجران، والتفوق في كبرى جامعات العالم ببريطانيا، والحصول على منجزات عالمية، يرويها لـ"سبق" الطالب فهد مستور العتيبي.
النشأة والأسرة.. الأب مزارع فـ"رجل أعمال".. والأم "خريجة فيزياء"
نشأ الطالب فهد العتيبي في مركز ساجر شمال غرب مدينة الرياض بـ٢٧٠ كلم في إقليم السر، الذي يبلغ تعداد سكانه ٤٠ ألف نسمة، ويتضمن ٥٠ مركزًا وقرية، ويشتهر بالزراعة. وهو أكبر إخوته. وتتكون أسرته من الوالدين الأب الذي امتهن الزراعة قبل أن يصبح رجل أعمال، والوالدة ربة البيت والحاصلة على بكالوريوس في تخصص الفيزياء، وشقيقه عبدالله ويدرس في كلية الطب بجامعة شقراء، وشقيقته تدرس كذلك في كلية الطب بجامعة المجمعة، إضافة إلى ثلاثة إخوة يدرسون في التعليم العام.
مراحل التعليم الأولى وتأثره بمدارس التحفيظ
في أولى مراحل الشاب فهد العتيبي التعليمية التحق بمدارس تحفيظ القرآن الكريم، ويقول عنها: "التحقت بمدارس تحفيظ القرآن في المرحلتَيْن الابتدائية والمتوسطة، والأول الثانوي؛ فصقل القرآن مواهبي؛ فتضاعفت لدي قوة الحفظ وجودة القراءة الجهرية والصامتة، كما ساعدني في تنظيم الوقت واستغلاله الاستغلال الأمثل، وسعة الأفق وطلاقة اللسان وفصاحته، إضافة إلى تنمية ملكة التفكير والتحليل والتدبر".
وأضاف: "القرآن الكريم ألهمني الصبر والمثابرة وتحدي الصعاب والبحث عن التفوق ومعالي الأمور، كما منحني مفتاح السعادة التي تتمثل في (الراحة النفسية)، التي تعد هي بلسم الحياة وطاقة النجاح والإبداع".
وداعًا لـ"تحفيظ القرآن".. والدراسة في مدرسة أهلية.. لهذا السبب
ويتابع العتيبي: "بعد أن أنهيت السنة الأولى الثانوية في مدارس تحفيظ القرآن قررت أن أترك مدارس تحفيظ القرآن الكريم بعد ١٠ سنوات ممتعة مميزة؛ وذلك لاضطراري لأن أغير التخصص من شرعي لعلمي؛ لأني رغبت في أن تكون دراستي في الجامعة في أحد التخصصات العلمية".
ويردف: "حاولت أن أسجل في المدارس الحكومية في السنة الثانية الثانوية في التخصصات العلمية إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل؛ فاضطررت اضطرارًا للتسجيل والدراسة في مدرسة أهلية لأجل تغيير التخصص".
قصته مع الوظيفة العسكرية
يقول العتيبي: "عندما سجَّلت في مدرسة أهلية في الصف الثاني الثانوي لأتمكن من الدراسة في التخصص العلمي أُتيحت لي وظيفة عسكرية، لكنها تحتاج لدورة في المجال العسكري؛ فدخلت دورة عسكرية في (مدارس الحرس الوطني العسكرية) لمدة ٤ أشهر، واجتزتها بنجاح".
وأضاف: "بعد اجتياز الدورة العسكرية عُيِّنت في السلك العسكري، في الحراسات الأمنية برتبة عريف، واستمررت في الوظيفة مع مواصلتي الدراسة، وبعد مثابرة ومجاهدة للجمع بين الوظيفة والدراسة تمكنت من التخرج من المرحلة الثانوية".
جامعة شقراء.. بداية التميز والرحلة للعالمية
ويكمل فهد العتيبي حديثه قائلاً: "حكومتنا الرشيدة أولت التعليم اهتمامها؛ فافتتحت كليات علمية تخصصية في جميع أنحاء السعودية، ومن تلك كلية العلوم والآداب بمركز ساجر، التي تتبع جامعة شقراء".
وأضاف: "ما إن تخرجت من المرحلة الثانوية حتى سجلت في رغبتي وشغفي (كلية علوم الحاسب الآلي)، وفيها أشبعت شغفي من حبي لعلوم الحاسب، ووجدت بغيتي ومرادي؛ فأبدعت في علوم التقنية، ولاسيما أن الجامعة وفرت المعامل الحديثة في الكلية، إضافة إلى تميز المناهج الدراسية، وتميز الأساتذة، وجودة التعليم".
وتابع: "جامعة شقراء غيّرت مسار حياتي، وفتحت لي الآفاق، وجعلت طموحي يعانق عنان السماء، ومنها بدأت رحلتي للعالمية؛ إذ تخرجت منها بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى في علوم الحاسب الآلي. وهذه الشهادة كانت بعد توفيق الله مصدر نجاحي وفخري واعتزازي".
البحث عن وظيفة تمنحني مواصلة الدراسة.. هكذا تحققت!
ويكمل العتيبي حديثه قائلاً: "ما إن تخرجت حتى بدأت رحلة البحث عن وظيفة تمنحني مواصلة الدراسة لمزيد من العلم في مجال التقنية، إذ بدأت أبحث عن وظيفة معيد بإحدى الجامعات شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا".
وأضاف: "قدمت على جامعة نجران فتم قبولي معيدًا في كلية العلوم بشرورة التابعة لجامعة نجران، عندها استقلت من الوظيفة العسكرية، وتم ابتعاثي لمواصلة دراسة الماجستير في مدينة لندن ببريطانيا".
التخصص في الأمن السيبراني في كبرى جامعات العالم
ويستطرد العتيبي قائلاً: "درست في جامعة يورك في بريطانيا (University of York) ، وحصلت على الماجستير في الأمن السيبراني عام ٢٠٢٠، وكانت الرسالة عن رصد فيروسات الفدية في الشبكات المبرمجة".
ويضيف: "بداية من أكتوبر ٢٠٢١ بدأت التحضير لدرجة الدكتوراه بتخصص الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي في إمبريال كوليج لندن (Imperial College London). وهذه الجامعة مصنفة في المرتبة السابعة عالميًّا وفقًا لتصنيف QS، كما أنها إحدى الجامعات العشرين المعتمدة من السعودية في ابتعاث النخبة".
منجزات عالمية.. وغلاف المجلة البريطانية
حصل فهد العتيبي خلال رحلة ابتعاثه على منجزات علمية عالمية بفضل الله، ثم بفضل مثابرته وإصراره، يذكرها قائلاً:
"أولاً- حصلت على شهادة الماجستير في تخصص نادر (الأمن السيبراني)، ثم درست الدكتوراه في تخصص دقيق ومهم (تأمين الذكاء الاصطناعي ضد الهجمات)، ثم استخدامه لتوفير حلول أمنية للشبكات مثل أنظمة الرصد.
ثانيًا: تم نشر جزء من رسالة الماجستير في كبرى المجلات في بريطانيا، مجلة IEEE Access ، ذات التصنيف، ولها عامل تأثير عالٍ جدًّا.
ثالثًا: في عام ٢٠٢٠ تم اختياري لأكون على غلاف الكتيب الإرشادي للطلاب الدوليين في جامعة يورك.
رابعًا: حصلت على شهادة "التحقيق الجنائي الرقمي للاختراقات" من EC-Council التي توضح قدرة حاملها على التعامل مع الجرائم التي تتم من خلال التقنية، وكيفية تحديد الأدلة وربطها لضبط الجاني.
خامسًا: في المجال البحثي أعمل في أربعة مجالات فرعية، هي أمن الذكاء الاصطناعي (تحديدًا التعلم العميق)، أمن الشبكات وأنظمة الرصد، البرمجيات الخبيثة والتحقيق الجنائي الرقمي.
سادسًا: خلال الشهر القادم سأبدأ مع المشرف في تدريس مادة أمن المعلومات لطلاب الماجستير في جامعة إمبريال كوليج لندن.
سابعًا: حصلت على شهادة شكر من الملحق الثقافي السعودي في بريطانيا لعملي التطوعي؛ إذ عملت وكيلاً للنادي السعودي في مدينة يورك لمدة عام (من ٢٠١٨ حتى ٢٠١٩)، وكانت طبيعة العمل التطوعي تتركز في مساعدة المبتعثين الجدد، وتسهيل اندماجهم في مدينة يورك كـ(تجهيز النقل، السكن، الاحتفالات، وتمثيلهم في الدوائر الحكومية البريطانية)".
ويختتم" العتيبي" حديثه بالشكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده على الدعم المتواصل واللا محدود للتعليم، مشيدًا بجهود وزارة التعليم وجامعة نجران، ومؤكدًا دور جامعة شقراء في تميزه، مبينًا أنها فتحت له آفاق الإبداع والتميز، وكانت أولى خطواته للعالمية.