قبل 12 يوماً، أصدرت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بياناً، عن مباشرتها 123 قضية جنائية تتعلق بالتعدي على المال العام، وهذا البيان إن كان الأخير إلا أنه سبقته بيانات كثيرة صدرت خلال السنوات الماضية عن ضبط الهيئة لمسؤولين فاسدين استغلوا وظائفهم العام في الكسب غير المشروع، ولعل الكثيرون يتساءلون عن النتائج التي حققتها الحملة على الفساد منذ إطلاقها، ويجيب على هذا السؤال المشروع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من واقع البيانات الرسمية، موضحاً خلال كلمة شكر وجهها اليوم (الخميس) إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لما تضمنته كلمته الضافية في مجلس الشورى، أن "مجموع متحصلات تسويات مكافحة الفساد بلغت 247 مليار ريال في الثلاث سنوات الماضية، بما يمثل 20 في المئة من إجمالي الإيرادات غير النفطية، بالإضافة إلى أصول أخرى بعشرات المليارات نقلت لوزارة المالية، وستسجل في الإيرادات عندما يجري تسييلها بما فيها من عقارات وأسهم".
وضخامة حجم الأموال التي استعادتها الدولة كما أوضحها ولي العهد، تكشف عن قيمة الإهدار، الذي وقع على المال العام خلال السنوات والعقود الماضية، والذي بين الأمير محمد بن سلمان أنه يستهلك ما بين 5 إلى 15 في المئة من الميزانية السنوية للدولة؛ وهو ما يؤدي في المحصلة وكما لفت ولي العهد إلى انخفاض في مستوى الخدمات والمشاريع وعدد الوظائف كل سنة، وبشكل تراكمي على مدى الثلاثين سنة الماضية، فالفساد يمنع وصول المواطنين السعوديين إلى الموارد والفرص، ويحول دون استفادتهم على أسس متساوية من الميزانيات، التي تخصصها الحكومة للمشروعات التنموية، وتطوير الخدمات والارتقاء بها، بما يحد من جودة مستوى الحياة، الذي تبذل الحكومة كل وسعها للارتفاع به إلى المستوى اللائق بالمواطنين السعوديين، بما يجعلهم جزءاً من العالم المتطور الذي يعيشون فيه.
وبسبب التأثير السلبي للفساد على حياة المواطنين، وأداء المؤسسات العامة، والذي أشير إلى بعض مظاهره آنفاً، فإنه من الدقة أن يعتبره الأمير محمد بن سلمان "العدو الأول للتنمية والازدهار وسبب ضياع العديد من الفرص الكبيرة في المملكة"، ولكن إذا كان هذا هو الوجه القبيح والمدمر للفساد، فلم يعد له مكاناً في أداء الجهاز الإداري للدولة، فمع استمرار مكافحة الحكومة للفساد بالحزم والصرامة الحاليتين لنا تتاح للفساد أي فرصة للاستشراء في مفاصل المؤسسات الرسمية، وفي المنظور القريب سيتقلص حجم الفساد في المملكة إلى مستوى منخفض للغاية، وسيصبح كما بين ولي العهد "جزءاً من الماضي ولن يتكرر بعد اليوم على أي نطاق كان دون حساب قوي ومؤلم لمن تسول له نفسه كبيراً أو صغيراً"، فمن الطبيعي أن تؤدي هذه المواجهة الحازمة في الضبط والمحاسبة إلى انخفاض عدد الفاسدين وردع من لديه استعداد للفساد.
وحققت المملكة نتائج قوية في مكافحة الفساد خلال السنوات الماضية، فبحسب مؤشر مدركات الفساد لعام 2019، الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية في 23 يناير الماضي، تقدمت المملكة سبعة مراكز عالمية في ترتيب المؤشر، وحققت المركز 51 عالمياً من أصل 180 دولة، كما تقدمت في مركزها بين مجموعة دول العشرين لتحقق المركز العاشر، ويعد تقييم "الشفافية الدولية" شهادة من منظمة محايدة لقيمة النتائج، التي حققتها المملكة في محاربة الفساد، والتي وضعتها ضمن الدول الأقل فساداً في العالم، وهو ما يرفع من مستوى الأداء الحكومي في المملكة على الصعيد الدولي، كما يضاعف الثقة في قوة الاقتصاد السعودي، مما ينعكس على استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة، للاستفادة من الفرص المتنوعة لمواردها العديدة.