وعاد المدير..!!

وعاد المدير..!!

أحيانًا يوحي لك البعض بأن عمله ينطبق عليه المثل "الفاضي يعمل قاضي"؛ فتحاول أن تنأى بأحاسيسك عن تصوُّر الموقف فضلاً عن تصديقه، ولكنه يأبى إلا أن يثبت لك ذلك بالدليل القاطع، والبرهان الناصع..!!

فلا تملك حينها إلا أن تحاول لملمة شتات أفكارك، وتستجمع قواك؛ كي تحاول أن تفهم ما يدور في هذه المؤسسة أو تلك، وكيف يفكر القائمون عليها..؟!! وما جدوى وجود هذه الأعداد الهائلة ممن يحملون صفة مستشار..؟!! وهل هو يُستشار..؟!! أم إن مكتبه علاه الغبار..؟!! وهل القرارات تُتخذ لأجل التطوير..؟!! أم إنها للبهرجة والتصوير..؟!! وهل للميدان في قراراتها دور..؟!! أم إنه خارج السور..؟!!

لو كان للميدان دور في اتخاذ القرار، أو له نصيب من الاستشارة، لما وجدتَ كثيرًا من قرارات الإثارة..!! ولما أُقرَّت كثير من البرامج التي تستنزف الوقت، والجهد، والمال، وبعد فترة يكون مصيرها الإلغاء..!! على الرغم من كل ما استنزفته من مقدرات مادية ومعنوية..!!

فبعض هذه المشاريع أو البرامج أو القرارات تُفرض على الميدان دون العودة لفرسانه؛ فتكون إما صعبة التنفيذ، أو لا يمكن تطبيقها بشكل يحقق الأهداف المرجوة منها أو يحقق الغاية التي وُضعت من أجلها..!! أو أنها لا جدوى لها؛ فالأمر سيان، وُجد هذا البرنامج أو لم يوجد..!! بل على العكس، وجوده خسارة في خسارة في خسارة..!! خسارة جهد، ومال، ووقت.

ومن هذه القرارات ما خرجت علينا به وزارة التعليم قبل سنوات من تغيير مسمى مدير المدرسة إلى "قائد المدرسة"؛ فوجهت كل قواها الظاهرة والباطنة، وسخرت كل طاقاتها، وجنّدت كل وسائلها لتثبت أن القائد هو المسمى الصحيح، والأفضل لمدير المدرسة؛ فعقدت الندوات، ونفّذت الدورات، وأصدرت التعاميم، وفرضت المفاهيم، وأجبرت المديرين، وحشدت المشجعين، وهللت للمطبلين، بفرض مسمى القائد..!! ونقض مسمى المدير..!! وفرضت البرامج، والمحاضرات، وجاءت بالمصنفات، وساقت القصص والحكايات؛ للدلالة على أفضلية مسمى القائد، وصحته، وخطأ مسمى المدير، وفداحته..!! فجاءت بالفوارق والاختلافات، ونبذت كل الخلافات، فتوحد الصف، فصُرف ما صُرف..!! واصطف مَن اصطف..!! فلا مكان لمخالف، وكل رأي غير ذلك زائف..!!

فالقول ما نقول، والرأي الأوحد للمسؤول، فلا بد من التطبيق، وما عليك سوى التصفيق، فلا تُبدِ رأيًا، ولا تُظهر لأيًا، ولا تسأل، بل افعل وافعل..!! وإن عارضت فلستَ بحبيب، وإن سألت فلا مجيب..!!

والعجيب.. العجيب.. أنهم حين يُسألون.. أيهما المسمى الصحيح القائد أم المدير؟ يثورون، ويغضبون..!! وبحدة يجيبون.. القائد طبعًا.. وحين تقول لهم أي المنصبين أعلى، قائد المدرسة أم مدير التعليم؟!! -وأنت تعلم الإجابة لكن لتقر شيئًا تريده- يزدادون تجهمًا، ويشتاطون غضبًا، وتصلك الإجابة كالصاعقة.. مدير التعليم طبعًا.. وتكاد تتبعها كلمة يا مجنون لولا خشيتهم من شكواك، ودفعهم الغرامات..!! وحين ترد عليهم بكل ثقة وهدوء: فلماذا لا يغير مسماه إلى قائد التعليم إذن..؟!! يصيبهم الذهول، فتتجهم الوجوه، وتفغر الأفواه..!! فلا ينبسون ببنت شفه..!! ولا ترمش لهم عيون..!! فكأنهم في سبات عميق، فلا زفير ولا شهيق..!!

وبعد كل هذا الذي استمر لمدة سنوات قاربت الخمس إن لم تتجاوزها يصدر بكل "بروووود" تعميم بعودة مسمى المدير، ووجوب تغيير مسمى القائد، وإزالته من كل الأوراق، والمستندات، واللافتات، ورميه في جب سحيق، ونسيانه إلى الأبد..!!

وهنا نقول: يا خسارة الدورات والبرامج وما صُرف عليها..!! ويا خسارة الجهد، والوقت، والمال، وتعب الرجال، والسؤال هنا.. ما الذي جنيناه من كل هذا..؟!! ولماذا أضعنا فيه كل هذا الوقت..؟! وأُهدرت فيه كل هذه الأموال..؟!! فهل كان له هدف أم هو من باب "الفاضي يعمل قاضي"..؟!!

والعجيب.. العجيب.. أين دور الرقيب..؟!!

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org