شاهد .. "جبال الرشراشية" بالقريات: 37 مليون سنة من التاريخ المنسي والمكتشف سعوديًا

تم اكتشافها أخيرًا للباحث "الجحدلي"
شاهد .. "جبال الرشراشية" بالقريات: 37 مليون سنة من التاريخ المنسي والمكتشف سعوديًا

على الرغم من أنهم يعدونها جزءًا منهم ومن مدينتهم وبيئتها لارتباطها منذ الصغر بهم، فمن منهم لم يقم برحلة ونزهة لـ"الرشرشية" -هكذا ينطقونها وتسميتهم لها-، فلم يعلم أهالي القريات أن منطقة "الرشراشية" البرية وجبالها التي ولدوا، وترعرعوا وهي شامخةً أمامهم ومازالت، بأنها تحتوي على أحد أقدم المعالم الطبيعية والتاريخية بمنطقة الشرق الأوسط، وربما العالم بأسره، وتمثل تاريخًا يمتد عمره نحو (37) مليون سنة، الأمر الذي لم يلفت انتباههم ولا القطاعات المختصة بذلك المجال، واستغلالها للترويج سياحيًا وثقافيًا لمدينتهم ومنطقة الجوف التي تزخر بالكثير من المواقع الأثرية والصحية والتاريخية، وعلى الرغم من وقوعها بالمنطقة الحدودية المحرّم على الأهالي دخولها لوقوعها بالقرب من الحدود الأردنية، والتي يمنع حرس الحدود الاقتراب منها للسبب ذاته.

ولم يتم اكتشاف ذلك الإرث التاريخي الكبير بالمملكة إلا منذ أيام قليلة عن طريق اكتشاف كبير ومهم لباحث سعودي أعلن عنه أخيرًا عبر بحث شامل قام بإجرائه ودراسته بمساعدة فريق من الخبراء والمختصين حول "جبال الرشراشية" بمحافظة القريات شمال المملكة، وهو الدكتور "محمد حمدي الجحدلي"، عضو هيئة التدريس بقسم الجيولوجيا البحرية -كلية علوم البحار بجامعة الملك عبدالعزيز، والذي قدّر عمرها الجيولوجي عن طريق الأحافير البحرية الدقيقة الكوكوليث، والجبال عبارة عن ترسبات بحرية شبه عميقة عمرها (37) مليون سنة.

وفي حديث خاص ومفصل لـ"سبق" حول "جبال الرشراشية" بالقريات، وأهمية العمر الجيولوجي والقيمة اللذين تحملهما ودور البحث الذي يقدمه، قال الدكتور "محمد حمدي الجحدلي": "يعد تحديد الأعمار الجيولوجية للصخور بشتى أنواعها من المهام الأساسية في عمليات المسح الجيولوجي وإنتاج الخرائط الجيولوجية والتنقيب عن المعادن، وكذلك في عملية تتبع الحياة بجميع أشكالها على سطح البسيطة منذ نشأتها، وهذا لكون العمر الجيولوجي والمقترن بالزمن والأحداث الجيولوجية الذي يرسم لدينا صورة علمية وبعدًا تاريخيًا لعظمة وهول العمليات الجيولوجية على سطح الأرض وفي باطنها منذ تكونها، فجميع الأحداث الجيولوجية سواء كانت عمليات تكتونية كرفع الجبال، أو انحسار وارتفاع مستوى مياه البحار، أو ترسب متكونات رسوبية جيولوجية، أو ذوبان جليديات وارتفاع درجة حرارة الأرض وتغيراتها المناخية، فإن هذه الأحداث تحدد أعمارها علميًا أما عن طريق الأحافير الدالة أو عن طريق أنصاف أعمار النظائر المشعة، وكلتا الطريقتين لهما الأسس والأدوات الخاصة بهما وتختص ببيئات وظروف معينة".

وأردف: "فلكي نفهم المناخ القديم وتغيراته لابد من معرفة الزمان الذي حدثت فيه التغيرات المناخية التي كان لها تأثير كبير على البيئة وغيّرت في خصائصها تمامًا كما هو الحال عندما نعيد ترتيب الحضارات الغابرة ونحتاج إلى معرفة فترات امتدادها الزمني وأيضًا لفترات تعايش هذه الحضارات مع حضارات عاشت في الوقت نفسه أو تعايشت معها بعض الوقت، ونبحث عن ثروات معدنية في جبال، جروف، هضاب، وداخل طبقات الأرض وتكون ذات مدلول اقتصادي مهم للدول، ونحتاج إلى أن نحدد أعمار الطبقات لتتبعها على السطح ومضاهاتها على امتداد مناطق شاسعة ونتعرف على مصدر هذه الخامات والمعادن وسر ومدة نشأتها وتطورها حتى أصبحت مهمة جيولوجيًا واقتصاديًا".

وأضاف الدكتور "الجحدلي": "شمال المملكة العربية السعودية على تعاقب حضارات قديمة ونعرف ذلك من خلال أطلال أبنيتها والنقوش والكتابات ولا يخفى على القارئ أن جزءًا كبيرًا من مملكتنا الحبيبة كانت مختلفة تمامًا عن المناخ الصحراوي الحالي القاحل، فقد كانت المنطقة منعمة بغابات وبحيرات قبل مليون عام وكانت محاطة بنظام بحري عظيم يطلق عليه "بحر التيثس" قبل عشرات الملايين من السنوات وهذا البحر كان يغمر معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث كان المحيط الهندي متصلاً بالمحيط الأطلسي عبر بحر مفتوح شرقًا وغربًا".

وتابع: "هذه الأحداث الجيولوجية وبيئاتها وعناصرها الحياتية ومع (رؤية ٢٠٣٠) لولي العهد -حفظه الله- وجدت من يوثقها ويدرسها ويؤرشفها في مملكتنا العزيزة المترامية الأطراف، وهيئة المساحة الجيولوجية السعودية في مدينة جدة، والتي أدارت دفة آخر الدراسات الأحفورية مع جامعة الملك عبد العزيز على جروف "الرشراشية" بالقرب من محافظة القريات، ومنذ عقدين من الزمن تقوم الهيئة بالحفاظ على التراث الجيولوجي المحلي من خلال أقسامها المختلفة".

وأوضح لـ"سبق"، الجيولوجي "يحيى آل مفرح" ورئيس قسم الأحافير في الهيئة، أن الأحافير الفقارية واللا فقارية التي تم اكتشافها من مختلف مناطق المملكة تتميز بتنوعها التصنيفي العلمي والزماني الجيولوجي، وتمثل أهمية كبيرة في معايرة السلم الجيولوجي للصخور والطبقات الرسوبية في المملكة، فالأحافير هي الأصل في تحديد الأعمار الجيولوجية النسبية ومضاهاة الطبقات الرسوبية عبر الأقاليم والقارات".

وقال إن بقايا الهياكل الأحفورية العظمية المعروضة في قسم الأحافير المنقرضة للفيلة والتماسيح والسلاحف وبقايا أسنان القروش البحرية والفقاريات الأخرى من مملكتنا الحبيبة، تدل على أهمية الثروة الأحفورية وعلى أن المناخ والبيئة القديمة في هذه الرقعة المباركة من الأرض كانت مختلفة عن وضعها الحالي قبل مئات الآلاف وملايين السنين في المملكة.

وأردف: "هذه البيئات القديمة المتعاقبة ما هي إلا أجزاء من سجلات جيولوجية محفوظة في جبال مملكتنا وأقرب مثال لهذه السجلات هي تلال وجروف "الرشراشية" بالقريات التي بهذه الصخور المدروسة والمحدد عمرها عن طريق أحافير الكوكوليث (أحد أنواع الأحافير الدقيقة البحرية الأصل)، ونستطيع أن نرسم حدود المملكة الجغرافية في العالم القديم وامتدادها، ونحدد أعماق البحار المنحسرة وبيئاتها وملوحتها وديناميكيتها، وكذلك ستعطينا فكرة عن أهميتها الاقتصادية وما تحتويه من معادن اقتصادية وصناعية".

وأشار إلى أن المملكة ومع (رؤية ٢٠٣٠) باشرت هذه الرؤية بإعداد وإنشاء متاحف الجيولوجيا والتاريخ الطبيعي والآثار والسياحة، والتي من شأنها أن تشرح بما تحتويه على ثروة حضارية وعلمية مهمة للمجتمع وتعيد تصوير تاريخ ونشأة المملكة من منظور جيولوجي وعلمي بحت، وكذلك تؤكد الاعتماد على الموارد غير نفطية وتنويع الدخل الاقتصادي، وبشكل عام نقول إن تحديد الأعمار الجيولوجية تمثل جزءًا مهمًا من مهام البحث في دراسة البقايا الأحفورية الدقيقة أو الضخمة كذلك دراسة التتابعات الطبقية للمساهمة في استكشافات الموارد المعدنية بتعاون الهيئات والوزارات و الجامعات.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org