أن تُضرب علاقات المملكة العربية السعودية، وتغامر بعلاقاتها الدبلوماسية مع حلفائها من الدول المؤثرة في المنطقة والعالم، هو ما يريده الأعداء، ويعمل عليه المتربصون ليل نهار، وبشتى الطرق. فمنذ الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وسياسة السعودية واضحة المعالم، محددة الأهداف، متفاعلة مع العالم الخارجي، مراعية للأعراف الدبلوماسية في سلمها وحربها. ورغم ما واجهه المؤسس من ظروف الحرب العالمية الأولى أثناء توحيده البلاد، والضغوط من قِبل الدول الكبرى، إلا أنه تمكن بدبلوماسيته من احتواء المواقف التي كانت ضد السعودية بتوقيع اتفاقيات مع الجانب البريطاني، مع عدم إغفاله دعم الوحدة العربية، وتوظيف ثقل السعودية في ذلك، وصولاً إلى اللقاء المشهور بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأمريكي روزفلت، ذلك اللقاء الذي دشن لمرحلة جديدة من العلاقات الدبلوماسية المتكافئة مع الحلفاء.
واستكمل أبناء المؤسس السير على خطاه ابتداء بحقبة الملك سعود التي لم تكن بعيدة عن الصراعات الإقليمية والعالمية؛ فقام بتعزيز دور السعودية الخارجي من خلال ولي عهده آنذاك الملك فيصل - وكلاهما نشأ تحت بصر وسمع المؤسس- فوقفا مع العرب في قضاياهم المصيرية إبان العدوان الثلاثي. وبالرغم من التبعات التي لحقت بالبلاد إلا أنها استطاعت تجاوزها بفضل دبلوماسيتها المتوازنة، ونواياها الحسنة تجاه قضايا الأمة، وعلى رأسها قضيتها الأم (قضية فلسطين).
وفي عهد الملك خالد قوي دور السعودية على الساحة الدولية، وحرصت على الاضطلاع بدورها الأخلاقي، ومد يد العون للأشقاء والأصدقاء، والنأي بالنفس عن التدخل في شؤون الآخرين. لتأتي دبلوماسية الملك فهد والملك عبدالله مؤكدة نبذ الصراعات، واستثمار قوتها وعلاقاتها للوقوف مع دول الجوار في أزماتها كما في اتفاق الطائف، وتحرير الكويت، ومشكلة البحرين، وليس انتهاء بالوقوف مع مصر العروبة وحفظ استقرارها.
ليشرق عهد جديد من الدبلوماسية المحنكة على يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. ولا غرو في ذلك؛ فسلمان الحزم قد تخرَّج في مدرسة والده، وخبر دهاليز السياسة بجميع أبعادها ومتغيراتها، ويتكئ في ذلك على إرث كبير من الخبرة عبر تقلده العديد من المناصب وصولاً إلى العرش، ومن خلال رئاسته وتأسيسه اللجان التي تعمل على دعم المنكوبين والشهداء، وإغاثة الملهوفين والمضطهدين في شتى بقاع العالم؛ وهو ما جعل السعودية تحظى باحترام الجميع.
ويسند سلمان الحزم ويعينه في تطوير دبلوماسية السعودية ولي عهده محمد العزم الذي ينطبق عليه قول الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارا ** تعبت في مرادها الأجسام
هذا الرجل الذي حمل همَّ وطنه، ولا يزال يعمل على تحديث السعودية اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا على جميع الأصعدة؛ لتكون قوية متماسكة داخليًّا؛ وبالتالي تكون مؤثرة في قراراتها الخارجية؛ ولتكون علاقاتها مع الدول الكبرى علاقة الند للند.
ولا عجب في ذلك؛ فقد صُنع ولي العهد على عين أبيه، واكتسب منه القوة والصرامة في اتخاذ القرارات من خلال مواقفه العربية الأصيلة والإنسانية التي تنم عن دبلوماسية عميقة، قرأ من خلالها المشهد، وتنبأ بالأخطار المحدقة بالأمة وهويتها؛ فوقف ضد المد الإيراني بالمنطقة، ولبى نداء اليمن لتخليصه من شر العصابات الحوثية.
كل هذه المواقف المشرفة أثرت في دبلوماسية ولي العهد، ووسعت آفاقه، وأكسبته بُعد النظر؛ ليجعل من السعودية نموذجًا يحتذى، ولتتبوأ السعودية على يديه مصاف الدول الكبرى المؤثرة في قرارات العالم.
وأخيرًا يحق لنا أن نفخر نحن السعوديين بقائد هذه الأمة الملك سلمان وولي عهده؛ فبهما ازداد وهج الدبلوماسية السعودية التي وظفت موقعها الاستراتيجي ومكانتها الاقتصادية في مصالح شعبها، والوطن العربي والإسلامي؛ وذلك بفضل علاقاتها مع حلفائها من أجل تحقيق مطلب السلام العالمي، وبناء الحضارة الإنسانية عمومًا.
وكلما حاك الأعداء والمتربصون المؤامرات من أجل تحجيم سياسة السعودية الخارجية عادت السعودية أشد صلابة، وخرجت أقوى عودًا من أزماتهم المفتعلة. فبالتماسك الداخلي وبالسياسة الخارجية التي ترتكز على تعاليم الدين، وتتصف بالحكمة والهدوء في عصر يموج بالتحولات، ستتكسر أمواج كل المؤامرات على صخور شواطئ هذه البلاد الشامخة.