عودة العراق لمحيطها العربي تجسد مبادئ السياسة الخارجية السعودية في جمع الصف

حركة مكوكية بين وفود البلدين تتوّج بزيارة رئيس الوزراء العراقي للرياض
عودة العراق لمحيطها العربي تجسد مبادئ السياسة الخارجية السعودية في جمع الصف

أخذت العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية ودولة العراق، اليوم؛ منحنى تصاعديّاً على كافة المستويات، بالتزامن مع عودة الأخير إلى الحاضنة العربية بعد فترة من التخبط والعشوائية في تحديد آلية هذه العودة وملامحها.

وفي التفاصيل: تنطلق العلاقات بين السعودية والعراق من مرتكزات تاريخية، ودينية، واجتماعية، بالإضافة إلى رغبة القيادتين في تعميق هذه العلاقات وتطويرها؛ وهو ما يؤسس لروابط إستراتيجية تخدم مصالح الشعبين الشقيقين على المديين المتوسط والبعيد.

ويتّفق المتابعون لمشهد العلاقة بين الرياض وبغداد، على أنه يتسلح بانعطافة تاريخية جديدة، تقلب معها قطيعة طويلة على مدى 26 عاماً، مشيرين إلى أن هذه العلاقة تجلّت بحركة مكوكية بين الوفود الحكومية والاقتصادية من البلدين، توجت اليوم بزيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى الرياض، على رأس وفد تجاري واقتصادي وحكومي ضخم.


وستحمل الزيارة، التي تستمر لمدة يومين، وتضم أكثر من 11 وزيرًا و68 مسؤولًا حكوميًّا وأكثر من 70 رجل أعمال من القطاع الخاص؛ ملفات مهمة لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها، والمستجدات في القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

صفحات ناصعة
من يتابع مراحل تطور العلاقات بين المملكة والعراق، يتأكد أنها بلغت اليوم مستوى غير مسبوق من الترابط والتآخي والتعاضد؛ إذ يرى المتابعون أن المملكة العربية السعودية حريصة على تعزيز العلاقة مع العراق، من منطلقات حسن الجوار وتعزيز العروبة والديانة، للوصول بها إلى المستوى الذي يعزز المصالح الإستراتيجية للقيادتين والشعبين والمنطقة العربية، متوقعين أن تبلغ هذه العلاقات ذروتها في قادم الشهور والسنوات، مع استكمال المشهد، وتنفيذ مبادرات القيادة في البلدين.

ويمكن وصف العلاقات بين السعودية والعراق بأنها "منفتحة"، وهو ما يعكس ملامح السياسة الخارجية للمملكة بما تحمله من مبادئ وقيم، تحرص من خلالها الرياض على جمع شمل الدول العربية، وترسيخ العلاقات فيما بينها؛ من أجل النهوض بالأمة العربية؛ فتاريخ المملكة حافل بصفحات ناصعة البياض، شاهدة على حرص الرياض على احتضان جميع الدول العربية تحت راية التحالف والترابط، تحت مظلة جامعة الدول العربية، فلم تكن الرياض غائبةً يومًا عن قضايا أمتها العربية.

ملامح التقارب
ملامح التقارب بين بغداد والرياض بدأت في التجلّي مع افتتاح منفذ عرعر الحدودي بين العراق والسعودية، وصولاً إلى قيام شركة الرحلات السعودية الاقتصادية "طيران ناس" (فلاي ناس) بأول رحلة تجارية بين الرياض وبغداد منذ 1990.

ويؤسس المجلس المشترك الجديد بين البلدين لمرحلة طموحة من العمل التجاري والاقتصادي والاستثماري غير المحدود، على أن يشكل حَجَر الأساس في العمل والتخطيط المتوسط وبعيد المدى. ويعد التقارب السعودي ـ العراقي نتيجة مباشرة لبرنامج حكومتَي البلدين؛ وهو ما أثمر عن إعادة السعودية فتح قنصلية في بغداد ظلت مغلقة لمدة 30 عامًا، كما أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أن المملكة ستقدم للعراق مليار دولار لبناء منشآت رياضية.

وتعتبر زيارة الوفد العراقي للمملكة، خطوة استباقية في إطار تمتين العلاقات الاقتصادية وفق اتفاقيات تنظم مصلحة البلدين لغرض الاستثمارات بين القطاع الخاص العراقي والسعودي، إضافة إلى الاتفاقيات الحكومية المتمثلة بـ13 اتفاقية في مجال الطاقة والكهرباء والمنافذ الحدودية والمنطقة المشتركة؛ فالانتقال الفعلي من مرحلة المشاورات إلى مرحلة التنفيذ الفعلي لهذه المشاريع والاتفاقيات يتطلب من حكومتي البلدين إرساء "الغطاء" الراعي لهذه المصالح المشتركة، وإدخال القطاع الخاص كشريك منفذ للخارطة الاقتصادية التي ترسمها سياسة الدولتين.

الواقع العربي
يدرك المتابعون لتاريخ العلاقات بين البلدين منذ بداية القرن العشرين، أنه من الغريب ألا يكون هناك تقارب عراقي سعودي؛ حيث الرياض وعلى مدى تاريخها الحديث، ظلت تعتبر العراق عمقاً استراتيجياً لها، فأمن العراق كان دوماً مرتبطاً بأمن السعودية، وأمن هذه الأخيرة يتأثر طبعاً بأمن العراق.

ولعل الفتور الذي طبع علاقة بغداد بالرياض، خلال الفترة الماضية، هو ما أدى إلى نشأة وانتشار وتغذية الصراعات المذهبية وحركات التطرف والإرهاب بالمنطقة، بيد أن عودة العراق لجسده العربي اليوم تعطي انطباعاً بأن العرب عادوا إلى واقعهم، مع اعتبارهم إيران عدوهم الأول.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org