حينما يُولَد الإنسان يكون عُمره مكتوبًا، بأحداثه وتفاصيله، و"لا يغيِّر الأقدار إلا الدعاءُ"، ويعيش المرء بعدها حياته المكتوبة بتفاصيلها كافة التي يعتاد الكثير منها، التي منها السعادة أو السعادات الصغيرة. فالسعادات المعتادة من النِّعَم المهملة الشكر، التي تعودنا على وجودها؛ فلم نعد نحس بعظمتها أو بقيمتها في حياتنا. ومن تلك السعادات الرزق المعتاد، وتوافُر الأكل والمأوى.. وغيرها الكثير، إضافة إلى الأعياد.. فحينما كنا صغارًا كنا ننتظر الأعياد بفارغ الصبر، وبكل شوق؛ لأنها تعني لنا أيامًا فارقة في أيامنا المعتادة، وليس وعيًا منا بكونها مناسبات دينية، تحمل في دقائق انتظارها الكثير من اللهفة التي صنعتها العبادات التي تسبقها.. كما أنه ليس إدراكًا لقيمة العيد الدينية لدينا نحن المسلمين، وأن العيد يحمل شعائر دينية متطلبة بفرضَي الكفاية والعين؛ إذ كان يعني لنا فرحة ننتظرها مرتين في العام. ومع التقدُّم في العمر، وتكرار حضور العيد، ومعايشة لهفة انتظاره والاستمتاع بفعالياته، أصبحت الأعياد واحدة من السعادات المتكررة، التي فقدت رونقها وعظمة حضورها تدريجيًّا. وهذا الفَقْد التدريجي ليس نتيجة تقدُّمنا بالسن، ولا لأن الزمان تغيَّر، لكن لأننا اعتدنا وجودها؛ إذ لم تعد تُشكِّل علامة فارقة في سلسلة أيامنا كما كان يحدث معنا حينما كنا صغارًا.
وربما لم يحدث أن استشعرنا هذه النعمة نحن الكبار من قبل؛ لذا جاء هذا العيد كعلامة فارقة في أعياد الكبار؛ إذ جاء بعد عيد حظر حُرمنا فيه من أقرب الأقرباء، ومن أداء صلاة العيد في مصلياتها، ومن الكثير من مظاهر العيد التي اعتدناها، كما اختلف في كونه جاء بعد أكثر من عام، نازع فيه العالم أجمع الموت، وخرج منتصرًا من ذلك النزاع الذي خرج منه مترنحًا من أثر المقاومة وما أصابه؛ لذا أجبرنا هذا العيد على إعادة حسابنا مع السعادات المعتادة التي أهملنا شكرها نظير التعود لا كفرًا بالنِّعَم؛ فلله الحمد من قبل ومن بعد. وكل عام وأنتم بخير.