عزيزي عبدالإله، بعد التحية والتقدير.. اعلم أني أحبك، وأتمنى لك مستقبلًا مشرقًا وممتعًا، واعلم أنه ينتابني بعض الشعور بتأنيب الضمير أحيانًا لأني أشرت عليك بدخول الطب يومًا ما بحسن نية، وأتمنى أن تكتفي بالدعاء لي وأن تردد "الله يسامحك يا أبو عبده".
تذكر دائمًا أنه إن كانت رغبتك في أن تكون ثريًّا كطبيب؛ فإن قلة قليلة من الأطباء أصبحوا أثرياء، هناك العديد من الطرق الأسهل لتصبح ثريًّا دون ما وجع القلب والتوتر، إذا كنت تريد أن تصبح مليونيرًا فتجنب الطب؛ فمعظم الأطباء يعملون في المهنة لأسباب إيثارية حقيقية، إضافة إلى الرضا الذي يأتي من معرفة أن لديهم المهارات والمعرفة اللازمة لإنقاذ الأرواح.
تخلَّ عن فكرة الرغبة في تغيير العالم، أو أن تصبح من الأبطال الخارقين الذين يمكنهم حل المشاكل الطبية، وتذكر أنه مهما كانت النوايا جيدة، فلن تكون قادرًا على التغلب على المشاكل الناجمة عن الفقر والحرب والإهمال وسوء المعاملة، أو المشاركة في التربح على حساب المرضى، وهذا لا يعني أنه لا يمكنك مساعدة الذين يعانون منهم.
حاول أن تستمتع بكل دقيقة من إجازاتك المحدودة، لا تضحِّ بنفسك والعائلة إلا للضرورة.. أتفهم مشاعرك عندما تكون هناك عطلات نهاية أسبوع ممتعة عندما يقضي أصدقاؤك غير الأطباء حفلة شواء بينما تتعرق في جناح لرؤية نزيف آخر في الجهاز الهضمي، والكثير يسألونك لماذا اخترت هذا المسار.
حاول النوم جيدًا خاصة عندما يتقدم بك العمر، راحتك مهمة لأجل عملك، وقضاء الليالي دون ما اهتمام بصحتك هو عمل غير إنساني، وتذكر أن الحديث بين الأطباء الذين يقضون المناوبات معًا ويتقاسمون الجهد والتعب غالبًا ما يتمحور حول تغيير التخصص أو ترك المهنة.
تجنب الشعور بأنك سوف ترتكب أخطاء من وقت لآخر في هذه المهنة، وستكون أخطاؤك خطيرة؛ لأن كل هذا يؤثر على مرضاك بشكل مباشر، وعليك أن تعلم أن هناك أوقاتًا يتعين عليك فيها تحمّل هجوم بعض كبار الأطباء الذين يشعرون أن التدريس بالإذلال هو السبيل الوحيد للمضي قدمًا، وإن استمررت بالشعور كأنك أحمق في بعض الأحيان؛ فعليك اختيار مهنة أخرى.
اجعل أولويتك الأولى لمهنتك، حاول مقاومة الرغبة في إعطاء الأولوية للأصدقاء والعائلة، لا يمكنك ببساطة التنصل من مسؤولياتك المهنية لمجرد وجود ارتباطات شخصية سابقة، حاول تجنب إرضاء الجميع سواء أكانوا أصدقاء أو عائلة أو مرضى، من الأفضل أن تعتاد على إزعاج الآخرين من وقت لآخر؛ فكل موقف له تحديات فريدة ويحتاج لمهارات اتصال.
اعلم أن إبداعك لا يعترف الكثير به، وأن الطب يأخذ المبدعين ويحولهم إلى مدمني عمل، ويحاصر حياتهم الإبداعية، وأصدق دليل على ذلك أن حفلات عشاء الأطباء يكون العمل والطب فيه هما موضوع النقاش الرئيسي؛ الأمر الآخر أن الكثير من الطب لا يسمح بالكثير من الإبداع في ممارسته اليومية، كما أن كثافة العمل تتفوق على أي رغبة في التفكير الإبداعي، والحل يكمن في محاربة هذا الاتجاه ومحاولة الحفاظ على الاهتمامات الأخرى.
حاول أن تحقق رغبتك في البقاء في مكان واحد، والعيش بالقرب من الأصدقاء والعائلة.. أحيانًا ربما عليك أن تضحي برفاهيتك ومتابعة حلمك في مكان أقل مثالية، والبحث عن تخصص تُحبه حتى وإن قل المردود المالي، وتذكر أن التنقل بشكل متكرر أمر مؤلم.
صحتك جيدة، لكنك قد لا تعلم أنك تعمل بمهنة بها معدلات عالية من الأمراض الجسدية والعقلية، والتعرض لمشاكل صحية سواء مباشرة أو غير مباشرة في المهنة أمر وارد، وعليه فيجب عليك أن تدرك المخاطر المستقبلية وأن تتخذ خطوات لصياغة عادات نمط حياة جيدة؛ لتقليل عوامل الخطر لديك، واحرص على صحبة بعض الأصدقاء من غير الأطباء.
ختامًا.. إلى عبدالإله وزملائه وزميلاته:
لن أقول لك ابتعد ولا تصبح طبيبًا، وأن الطب سوف يفسد حياتك، وأن هناك وظائف أفضل بكثير يمكنك أن توازن فيها بين العمل والحياة، وربما تكون أكثر سعادة وقادرًا على مساعدة الآخرين فيها وجلب مزيد من المال، ولن أردد لك ما سمعته من بعض أساتذتي، لا ترتكب الخطأ الذي ارتكبته، ابتعد واختر مهنة أخرى، فالطب لم يعد مهنة إنسانية؛ لأني متأكد من أنك ذكي بل أذكى بكثير.