قراءة في ملف العنف

ما أشبه هذا العام وأحداثه بعام ٢٠١٨ في أعين الباحثين والمهتمين برصد الأصوات الإرهابية والحملات المغرضة.. فحص الملفات الأمنية والاجتماعية مترابط ولا يمكن قراءة أحدهما بمعزل عن الآخر، وتصاعد الأصوات المتطرفة والمعادية للوطن في الشهرين الحاليين من مطلع ٢٠٢٣؛ أمر لافت جدًّا، مع تصاعد إنجازات الوطن وقصص النجاح الفريدة، بين مدعٍ للدين وهارب في أروقة لندن، وبين أصوات نسوية متطرفة تكيل التهم للمنظومة القضائية السعودية وتستعدي الأجيال الشابة ضد أمنها واستقرارها، وبين ناقمين ومؤدلجين، تقف وتستمع كيف يتم ليّ عنق الحقيقة وتزييف الإنجازات لخلق حالة من الاحتقان الصامت.

اخترت التحدث عن ملف العنف اليوم بالتحديد لطرح أرقام عالمية عنه، فمن السذاجة أن يتم تناول أي قضية وإسقاطها على مجتمع دون النظر في وجودها في كل مكان. ولعل التأخر في تمكين المرأة معرفيًّا ومهنيًّا سابقًا بسبب سطوة الصحوة؛ ساهم في حِدّية الخطابات اليوم ولا عجب.. ٣٠٪ من النساء تعرضن للعنف من شركائهم أي قرابة ٧٣٦ مليون امرأة حول العالم (تقرير البنك الدولي ٢٠٢٢).. أكثر من نصف مليون امرأة تتعرض سنويًّا للعنف في أمريكا؛ بل في كل ٦٨ ثانية تتعرض ضحية للاعتداء.. في مصر وفي دراسة حديثة (٢٠٢٢) كشفت أن ٧٥٪ من النساء يتعرضن للعنف، و٨٠٪ يتعرضن للتحرش.. في إيران قتلت الفتيات في بث مباشر وتم تسميمهن على مرأى العالم؛ لكن لا أحد يبدو أنه يهتم لشأن الآسيويات! فلا يوجد مردود مادي من ابتزاز الدول التي تعيش على خط الفقر أو حتى تلك الدول التي تحاضر علينا ليل نهار.

نعم العنف ملف مؤذٍ وصورُه مُزرية ومُهينة؛ لكن ما نعيشه اليوم من امتيازات لم تكن موجودة قبل رؤية ٢٠٣٠، يستحق أن نتحدث عنه؛ بل إن دور المرأة أن تحمي هذه المكتسبات بوعيها وصوتها، وحديث المرأة عن التمكين أصدق وأدق من حديث الرجل؛ ليس تقليلًا من الرجال؛ لكن كي لا نُعيد اختطاف الصحوة لأصواتنا من جديد.

قبل أن أتحدث عن البرامج (العملية) لمناهضة العنف بالمملكة، من المهم أن أقول كلمة لأي فتاة تتعرض للعنف النفسي أو الجسدي: لا تصمتي ولا تنتظري حدوث معجزة ١٩١٩، أول إجراء تقومين به هو التحدث للجهات المختصة التي أنشأتها الدولة لأجلك؛ فإن وزارة الموارد البشرية -ممثلة في قطاع التنمية والوكالة المختصة بالتعامل مع هذا الأمر- أكدت حرصها من خلال إنشائها لمركز متخصص في العنف الأسري، وأرست مبادرات لدعم الفتيات؛ منها الصندوق المجتمعي، وبرامج التحول الوطني؛ حيث يساهم بنك التنمية الاجتماعي في خلق فرص عمل للنساء ودعم المنشآت الصغيرة، وتعزيز الاكتفاء الذاتي (الذي أعتبره شخصيًّا بداية نهاية ملف العنف الجسدي).

وترتبط برامج الوزارة بشكل مباشر مع أهداف التنمية المستدامة التي تنص على القضاء على الفقر والمساواة بين الجنسين، وتراقب هذه الأهداف وغيرها من خلال ٢٣٢ مؤشرًا.. ١٣ مليارًا هو ما يُقَدر بحجم الدعم المقدم لتمكين المرأة (أكثر من ١٩٠ ألف مستفيدة و٤٣ ألف مشروع)، بجانب مليار ريال لدعم ١٠٠ ألف أسرة منتجة في تمويل المشاريع متناهية الصغر.. ٤٠٠٪ ارتفاع نسبة النمو في دعم مشاريع المرأة عن عام ٢٠١٩؛ كل هذا وأكثر ومبادرات لا تنتهي كان آخرها ما قاله الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية الأستاذ إبراهيم الراشد عن تخصيص مبلغ ٢٤ مليارًا للدعم التمويلي للمنشآت الصغيرة في ملتقى بيبان الريادي، الذي كان منصة وطنية مفتوحة للجنسين للحضور والتفاعل والاستشارات المباشرة مع ذوي الخبرة.

يبقى موضوع العنف النفسي واللغوي ضد المرأة؛ حيث أكدت دراسة نُشرت في عام ٢٠١٧ بعنوان "المحددات الاجتماعية للعنف الأسري بين السعوديات المتزوجات بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية" لمجموعة من الباحثات السعوديات (د.الجوهرة القويز، ود.مها المنيف، وآخرين) أن العنف السلوكي (التهديد والسلوك التحكمي) بلغ أعلى نسبة من أشكال العنف (٣٦.٨٪)؛ حيث تم دراسة ١٨٨٣ سيدة سعودية متزوجة أعمارهن ما بين ٣٠ و٧٥ سنة، ووجدت الباحثات أن العينة تَعرضت بالفعل للعنف بنسبة ٤٣٪ طوال فترة حياتهن، وكان العنف الجسدي هو النسبة الأقل (٩٪)، والجنسي (١٢.٧٪)، والعاطفي (٢٢٪).. ومن المفارقات اللافتة أن المرأة اليابانية تتعرض لهذا النوع بنسبة ٩٠٪ حسب ما ورد في الدراسة المحلية.. أتفق مع توصيات الدراسة، وأجد أنها جديرة بالاعتبار؛ ومنها تشكيل مجموعات اجتماعية رسمية وغير رسمية لدعم النساء.

وهنا أجد أننا لا نزال بحاجة لفحص كل الخطابات بشكل دوري، وضخ ميزانيات في الأبحاث المهتمة بالتمكين والمستقلة رغم قلتها.

من المهم أن تعي المرأة أدوارها المجتمعية والذاتية، وألا تكتفي بالوقوف وانتظار الفرص؛ بل العمل والمبادرة والأخذ بزمام الأمور.. في دراستي وجدتُ أن الكثير من النساء يَمِلن للتمكين الجمعي والعمل كفريق بخلاف النظرة المجتمعية المُجحِفة والتي تَصِمُ المرأة بالعداء لِبَنَات جنسها، وناقشت هذا كثيرًا.. حان الوقت لأن تتحرر المرأة أكثر من هذه الأفكار البالية، التي تمنعها من بناء تحالفات مالية وشراكات حقيقية مع العالم.

أخيرًا، إن لعب دور الضحية ورقة محترقة.. العالم لا يحب الضعفاء، كوني قوية ما دامت القوة هي الحل الوحيد، والأنجح على الإطلاق.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org