الإيجابية السامة .. ورؤية 2030

تم النشر في

قد يتعجب البعض من عنوان المقال ويتساءل كيف يمكن للإيجابية أن تكون سامة في العمل؟!!.

دعونا أولا نتعرف على مفهوم "الإيجابية السامة" "Toxic Positivity"، فهو من المفاهيم الحديثة في الإدارة، وببساطة يعني فرض مناخ إيجابي مفرط على العاملين، وتجاهل أو إنكار مشاعرهم السلبية ومرئياتهم. ويشمل ذلك الإفراط في تضخيم الإيجابيات والمدح في المنظمة بطريقة تؤدي إلى قمع النقد البناء، والحد من عرض المشاكل والإخفاقات الحقيقية وكذلك التحديات التي تواجه العمل.

وتتخذ هذه الإيجابية المسمومة صورا متعددة في بيئة العمل. ومن ذلك التركيز فقط على النجاحات، يصاحبه تضخيم الاحتفاء بنجاحات محدودة وشكلية لا تصب في صالح تحقيق الأهداف. ومن صورها تجنب مناقشة مشاكل العمل، وتقليص دائرة النقد البناء، بما في ذلك الخوف من الآراء ووجهات النظر المخالفة، ومحاولة ازدراء من يقوم بذلك وتهميشه وقد يصل الأمر لمعاداة ومحاربة من يقوم بذلك ووصمه بأنه عدو للنجاح مسبب للإحباط!!.

ولعل أحد أبرز جوانب الإيجابية السامة تمسك بعض قادة المنظمات والقطاعات، بشكل مفرط بظهور مؤشرات الأداء باللون الأخضر "الإيجابي" في لوحة التحكم "الداش بورد"، بأي طريقة كانت!!، في حين قد يختفي خلف ذلك اللون الأخضر لونا أحمر قاني نتيجة لمشاكل جوهرية تم اهمالها، ونقد بناء تم قمعه، وتقييم حقيقي تم تجاهله، وموظفين لا يجرؤون على التعبير عن مطالبهم واحباطاتهم، ليشكل ذلك إيجابية سامة عنيفة في بيئة العمل. وهنا أحيل القارئ إلى مقالي السابق بعنوان "مؤشرات الأداء والأبراج العاجية".

بلا شك، نتفق جميعا، أن إلإيجابية في العمل وتحفيز وتشجيع العاملين يمثل جزء لا يتجزأ من الإدارة الرشيدة في المنظمات، ومتطلب أساسي لمزيد من الإنتاجية وتحقيق الأهداف، على أن يتم بطريقة متوازنة واقعية بلا إفراط ولا تفريط، مع التركيز على الأداء الحقيقي وتقييمه بشكل موضوعي. لكن يحدث في بعض المنظمات أن تزود جرعة تلك الإيجابية بشكل مرضي!!.

وهذا النوع من الإيجابية المزيفة، وإن كان يبدو ظاهريا أمرا صحيا، إلا أنه في الواقع ثقافة مرضية كبعض أنواع السرطانات التي تتغلغل في الجسد بصمت فتنهكه وتمرضه وتتلف أعضائه. فهي تقوض النقد البناء والشفافية والمصداقية، وتُضعف التقييم الحقيقي للأداء، وتؤثر سلبا على اتخاذ القرارات الصحيحة. كما تخلق بيئة عمل طاردة يشوبها ضعف التواصل، وتدهور العلاقات بين الموظفين، وتثبيط المعنويات وترفع الضغوطات النفسية ومعدلات التغيب والانسحاب. والمحصلة النهائية اضعاف الإنتاجية وخلخلة التحسين والتطوير، والاخفاق في تحقيق الأهداف وصناعة الأثر في البرامج والمشاريع.

الإيجابية السامة خطر حقيقي على بيئة العمل والإدارة، وأعتقد أن هناك حاجة ماسة لاتخاذ خطوات عملية لقياس مدى انتشار هذه الظاهرة في برامج رؤية 2030 سواء في القطاع الحكومي أو الأهلي أو الخاص، ومن ثم اتخاذ خطوات جادة لمعالجة ذلك وفق الاقتضاء.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org