ما هي سوسة العلاقات؟

تذكَّر دائمًا أنك مَن يدير كفة حياتك، والمسؤول عن ردة فعلك تجاه المواقف السلبية التي تتعرض لها، وأن ردة فعلك الأولى في الموقف الأول هي ما سيرسم الطريق لما يليها؛ إذ إن قوة الرفض تجاه أي نوع من الإساءة بحقك مهما كانت صغيرة أو كبيرة ستعكس موقفك بجلاء.. بينما خجلك، خوفك، حياؤك، ترددك من توكيد عمق الإساءة وإيضاح الجروح التي تسببت لك بها، لن يفعل شيئًا سوى أنه سيكلفك المزيد من الآلام عاجلاً أم آجلاً!!

والسبب أنك منحت ذلك المسيء الضوء الأخضر لمزيد من التجاوز؛ فكنت مضمونًا، سهلاً، متعلقًا.. ولم تمنع ما يؤذيك عن ذاتك.

إن البشر ليسوا سواء في دوافعهم وأفكارهم وتعاملاتهم؛ فبعض النفوس المريضة قد تستلذ بأذيتك أو استغلالك، وتتقوى على نقاط استسلامك، وتتغذى على بؤر ضعفك.. والبعض الآخر قد يتمادى لأنه ببساطة لم يجد ما يوقفه! فلا تسمح لهم بذلك، ودعهم يعون أن تجاوزاتهم لا يُسمح بها، وأن أذيتهم تلك لا تُطاق!!

إن مما يزيد شوكتهم هو ضعفك واستسلامك، أو تجنبك لهم، أو حتى رغبتك في امتثال طبع التغافل أو "تكبير الراس" الذي يثني عليه الكثيرون، وربما تطمح إلى أن تُمتدح لذلك الطبع "ما شاء الله عليه عاقل يكبر راسه". وقد تكون ممن يلجم خوفه بذلك المنهج المسالم الذي يغلف خوفك وتجنُّبك للمواجهة! أرجوك لا تخدع نفسك!!

إن ذلك "المنهج التغافلي" أسماه ياسر الحزيمي "سوسة العلاقات"؛ إذ إن التغافل في العلاقات اليومية قد يُكبر في أنفس المسيئين نزعة التعدي على مساحات الغير دون وعي أنهم يرتكبون جرمًا في حقهم.

وإذا تزامن ذلك مع انخفاض في تقديرهم لذواتهم، أو جهلهم بالأساليب الصحيحة للتعامل مع الآخرين، فإن ذلك يجعلهم يتمادون في غيهم أكثر، بل يشعرون أنه حق من حقوقهم.. وهكذا تتصاعد الإساءة حتى تصل للغطرسة.

ولا عجب أن يتمادى المسيء إن لم يجد من يوقفه! وقد قيل "الساكت عن الحق شيطان أخرس".. فلا تكن ذاك الشيطان الذي يواري خوفه وألمه واستياءه خوفًا وخجلاً أو مكابرة أو تجنبًا.

تمالك شجاعتك، وامنع ما استطعت من تلك الإساءات مهما بلغ قدرها بقوة وثقة واحترام، وحتى إن لزم الأمر أن تنتهج الأسلوب ذاته الذي جرحوك به. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف". فلا تعطهم بضعفك الصلاحية ليتمادوا أكثر مهما كانت علاقتهم بك، سواء كان مدير عمل، زميلاً، صديقًا، زوجًا، بل حتى أبناءك! وتذكر أن سكوتك عن أخطائهم هو إضاءة لهم لمزيد من التجاوز، حتى تصل لمرحلة يتعاظم فيها كل شيء، فلا تتحمل ذلك العبء، وتنفجر بأساليب تضرك وتضرهم، ويصعب لملمة أشلائها؛ لأن رقعة الجرح حينها تكون قد اتسعت لما يصعب اندماله.

وليست تلك دعوة لرفع راية العدوانية وإساءة الظن وسلاطة اللسان.. وإنما هي لفت نظرك لحماية نفسك من الإساءات بكل أنواعها، سواء كلمة، نظرة، شتيمة، استغلالاً، تنمرًا.. وغيرها، وأن تتمعن في موقفك، هل هو تغافل حكيم فعلاً؟ أم تغافل مع سيل ألم دفين يتزايد يوميًّا؟ هل هو صبر جميل؟ أم هو صبر طويل تجني معه الألم والقهر والفتور في حياتك؟!

امنع ما يضايقك.. أوقفه من أول وكزة.. حتى لا تكون في نظر المعتدي فريسة سهلة ولقمة لذيذة للطقطقة والاستغلال والتمادي وممارسة الأساليب العدائية والهجومية عليك.

ومما يجب التنويه له يا سادة أن ذلك المنهج في منع الإساءة وردها هو من أوائل ما يجب أن يتعلمه أطفالنا؛ فلا تركض لمواجهة من يسيء لطفلك بدلاً منه، بل علِّمه كيف يرد الإساءة ويحمي ذاته، فلن تكون موجودًا دائمًا لحمايته، فإن مما سيزيده ثقة وقوة أن يتولى تلك الشؤون بنفسه حتى يغدو شابًّا صلبًا، لا يقبل من يجرح كرامته، أو يستغل طيبته، ولا يتردد في مواجهة من يطأ منطقته بسوء. قال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}. وقيل في تفسيرها: من شتمك فاشتمه من غير أن تعتدي عليه، فالقصاص في الدنيا جائزٌ مع أفضلية العفو والصفح. ولا شك أن العفو خلق عظيم، والصفح خصلة كريمة في المواقف العظيمة، ولكن ما نتكلم عنه هنا هو الصغائر اليومية المنغصة، والمواقف المتكررة التي ترهق صاحبها، ويصبر صبرًا يودي به للقبر! مخالفًا لمنهج العفو الذي تصاحبه سريرة سليمة ونفسٌ مرتاحة.

وإذا التبس عليك المفهوم اجعل الفيصل في ذلك سلامك الداخلي، وراحتك النفسية، فهي أولوية لبقائك؛ فلا تتنازل عنها.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org