العادات (3)
أفنى العالم "لاري سكوير "العقود الثلاثة السابقة في دراسة تشريح أعصاب الذاكرة وكان تخصصه يدور حول اكتشاف كيفية تخزين المخ للأحداث وأظهرت دراساته أنه حتى الشخص الذي لايستطيع تذكر عمره أو أي شيء آخر تقريباً مثلاً- المرضى المصابين بالتهاب الدماغ الفيروسي Encephalitis-يمكنه تطوير عادات معقدة بشكل لايصدق وهو شيء ليس له علاقة بذاكرته الواعية، وساعدت أبحاث سكوير الباحثين في فهم كيفية عمل وتخزين العادات في المخ.
ذكر د.تشارلز في كتابه قوة العادات أن القدرة الطبيعية للمخ على توفير الجهد تمثل ميزة كبيرة للغاية يسمح لنا المخ الفعّال من خلالها بالتوقف عن التفكير في السلوكيات الأساسية طوال الوقت مثل المشي و اختيار نوعية الطعام وهكذا ..ولكن الحفاظ على الجهد العقلي كذلك أمر مخادع لأنه لو انخفضت طاقة عقولنا في اللحظة الخاطئة فربما نفشل في ملاحظة شيء مهم قد يودي بحياتنا كسيارة مسرعة مثلاً في وسط الطريق أو قد يفقدنا حياة غيرنا كنزيف بسيط من أحد الأوعية الدموية أثناء إجراء الجرّاح العملية المعتادة.
ولكن ماالذي يمثل القوة الشديدة التي تتمتع بها العادات؟ إنها الرغبة وكثيراً ما نغفل عن تأثيرها وبالتالي فإن الرغبة اللاواعية تنشأ في عقولنا وتبدأ في إدارة حلقة العادة على سبيل المثال اكتشف أحد الباحثين مدى القوة التي يتمتع بها الطعام والرائحة في التأثير على السلوك عندما لاحظ كيفية تمركز محال المخبوزات داخل مراكز التسوق؟! وعادةً ما تكون بعيدة حتى تنتشر الرائحة و تنشأ معها الرغبة التي تبدأ حلقة العادة في البحث عنها والشراء منها حتى لو لم تشتهها ؟! وذكر د.تشارلز أن اثنين من الباحثين في جامعة ميتشيجان كتبا أن الرغبة تتحول إلى شهوة قهرية يمكنها تحويل عقولنا إلى وضع القيادة الآلية حتى في وجه أعتى المثبطات بما في ذلك السمعة والوظيفة والعائلة.
ومازلت أذكر تلك السنين وأنا ذاهب إلى الجامعة التي كانت تبعد عن منزلنا 80كم ذهاباً وأخرى إياباً يومياً ولا أدرك أني قطعت تلك المسافة إلا عند فتح باب المنزل عند العودة.
وكيف للجراح أن ينهي تلك العملية أو الاثنتين أو الثلاث في اليوم دون تعب أو ملل وكيف أيضاً يرتكب ذلك الجراح الكبير أبشع الأخطاء الطبية بطريقة تافهة كما حدث لجرّاح المخ والأعصاب في مستشفى رود آيلاند بالولايات المتحدة الأمريكية؟! إنها العادات مقادة بالرغبة.
بالنسبة للعادات ينطبق الأمر كذلك على العادات المؤسسية أو "الأمور الروتينية "كما يسميها نيلسون ووينتر وهي ذات أهمية بالغة لأنه من دونها لن تنجز معظم المؤسسات أي عمل وهي توضع بدقة متناهية لتضم كل شيء كأوراق الموافقة في المستشفيات، بالنسبة لمستشفى رود آيلاند خلقت هذه الأمور الروتينية أجواء سلام مضطرب بين الممرضات والأطباء ولكن السلام لم يكن حقيقيًا وهنا غالباً ماتفشل الأمور الروتينية عندما يكون المرء في أشد الحاجة إليها وتؤدي مثل هذه الأزمات إلى مراجعة العادات المؤسسية ومعالجتها بطريقة ناجحة كما حدث في مستشفى رود آيلاند وصُنف في عام ٢٠٠٢ على أنه أفضل مستشفى في أمريكا.
تحدث نيثان أزرين أحد مطوري التدريب العكسي على العادات أن الأمر يبدو بسيطاً لدرجة السخافة ولكن حالما تصبح واعياً بكيفية عمل عاداتك حالما تدرك الدلائل والمكافآت فستكون قد قطعت نصف الطريق نحو تغيير هذه العادة ويبدو أن الأمر أكثر تعقيداً بينما الحقيقة هي أنه يمكن إعادة برمجة المخ وكل ما يجب عليك فعله هو التمهل ودراسة الأمر جيداً.