هل هذا البطل ضحية مثل؟!
ثقافة المرء -في وجهٍ من الوجوه- هي التي تُوجّهه، سواءً شعر بذلك أو لم يشعر، لذا تجد أن كل إنسان يستشهد بما يحفظ، وبما تعلَّم، حين يكون في مكانٍ يُحتِّم عليه الاستشهاد بالدليل الذي يؤكد صحة أفعاله أو سلامة تصرُّفاته!
والأمثال العربية والعالمية خير دليل على هذه الحالة، إنها تحميك وتبرّر تصرفاتك وتساند أفعالك!
خذ هذه الحالة على سبيل المثال:
إذا جاء أحدهم مُتأخّراً وعُوتب على ذلك، قال مباشرةً:
يا سيدي آسف على التأخير، ولكن كما تقول العرب: أن تأتي مُتأخّراً خير من ألا تأتي أبداً!
أما إذا كان الضيف ممن يُحبّون "السلتحة" والأكل البلاش "المجاني"، فهو سيأتي مُبكِّراً ، وإذا رأى أن العيون تتعجَّب من قدومه مُبكِّراً، قال على الفور:
أعلم أني أتيتُ مُبكِّراً، ولكن كما تقول العرب: (خير البرِّ عاجله) أو (مَن تقدَّم ما تندم)!
وإذا كان الضيف مدعوّاً لوليمتين أحدهما "بسيطة متواضعة بلا دسم وبلا لحم" والأخرى "أدسم وأكثر لحماً"؛ يبدأ في موازنة الأمور ويذهب إلى من عنده الدسم واللحم، ويرسل لصاحب الدعوة "المتواضعة" رسالة يقول فيها:
يا سيدي أعتذر عن الحضور، وكما يقول المثل:
خيرها في غيرها!
إنني هنا؛ على كرسي الاعتراف؛ أتقدَّم وأعترف بأنني ضحية أمثال كثيرة؛ وجهتني، ولكن «بئس التوجيه»، بل لقد أدخلتني في «دائرة الإفلاس»، فلقد اتبعتُ نصيحة مَثَل فوضى، قاله أحمق، ومضى إلى منطقة الإفلاس، مفاده:
"أنْفق ما في الجِيب، يأتيك ما في الغيب"، هذا مَثَل مشهور اتّبعته لأنني وجدته في أكثر من لغة من اللغات العالمية الحية ، أما المَثَل العربي لا أقبله إلا إذا زكّاه في المعنى مَثَلٌ في لغةٍ أخرى، فمَثَلنا العربي كشهادة المرأة، لا تُقبل إلا إن دُعِمَت بشهادة امرأة أخرى!
إنني وجدتُ الإنجليز يقولون في أمثالهم: (Give and spend، and god will send)، ومعناه: (اعط واصرف، لأن الله سيُرسل لك رزقاً آخر).
وقد بدأتُ منذ فترة طويلة أُطبِّق هذا المَثَل، حتى وجدتُ نفسي في منزل الفقر المُطلّ على أربعة شوارع هي:
شارع الاستدانة، وشارع القروض البنكية، وشارع التَّهرُّب من الناس بسبب قِلّة ذات اليد، وشارع الندم على ما فرّطتُ في جنب حِفظ المال!
حقّاً؛ إنني ضحية مَثَل، ولكن سأبحث عن «النظرة الإيجابية في كل شيء»، وأنتقل منها وعبرها ومِن خلالها إلى الفائدة من هذا الدرس ، فقد تعلَّمتُ -منذ ذلك الحين- أن أكون صاحب ميزانية، حيث استعنتُ بقول الحق سبحانه:
(إنّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً)، وبدأتُ أُخطِّط لميزانيتي بحيث لا أُسرف، ولا أجعل يدي مغلولة إلى عنقي، بل أكون بين ذلك قواما!
وفي النهاية أقول:
إنّ الأمثال في بعض دلائلها "مُخدَّرات لفظية" و "تشوهات معرفية" و "ضلالات فكرية" ، تجعل المرء يعيش في دائرة التخدير، وبعد فترة يجد نفسه مُزروعاً في شارع الندم، لذا أتمنى أن نعمل مراجعة لأمثالنا، ومراقبة تاريخ صلاحيتها، فليس الطعام والشراب والأجبان واللحوم -وحدها- هي من تنتهي صلاحيتها، بل حتى الأمثال مثل الزهور، لها عُمْر افتراضي، ومن العبث أن نجعل الزهور صالحة لكل الفصول الأربعة!
