"أنـا هـنا".. فـأيـن أنـتـم؟!!

تم النشر في

أصبح التهريج وإثارة الفتن بضاعة لدى من يتَّبعون المثل السائر "خالف تُذكر". وساعدهم في ذلك انفتاح الفضاء الإعلامي.

وتزايد سلوك هؤلاء المشاكسين عشاق الظهور ولفت الانتباه حتى انطبق عليهم قول الأعرابي حينما قال: "إذا لم يكن لك اسم فارفع لك في الشر علما".

ومن منطلق "منازعة الأمر أهله" ينطلق عصبة ممن يشق عصا الطاعة على ولي الأمر ويخالف الجماعة، ويتظاهر بأنه يحرص على المنفعة العامة، فيشاغب على وطنه، لا لصلاح يرومه، ولا لاستقامة ينويها، بل ليس له من الدوافع إلا المخالفة غير الطبيعية؛ لاستغواء بعض رعاع الناس.

من يدعون الانشقاق هم أناس مرضى، والهوس الاجتماعي الذي يتبعونه عبر بوابة السياسة والإعلام ما هو إلا من باب "خالِف تُعرف"، في إشارة واضحة إلى حب الظهور ولفت الانتباه لهم؛ لا لشيء إلا لنقص في شخصيتهم، واهتزاز في عقولهم، وارتجاع في مبادئهم، وكأنهم يمتثلون في قصة طه حسين في شبابه (عميد الأدب العربي) في نقده اللاذع للأديب الكبير المنفلوطي، وحينما سأله الصحفي بعد بلوغه سن الأربعين عن سبب ذلك النقد قال مبتسمًا: "كنت شابًّا يريد الشهرة على حساب كاتب كبير معروف".

منذ قرون وهذه النماذج الساذجة موجودة، وعلى كل المستويات، أفرادًا ودولاً، يسيرون عكس التيار، ويخالفون الاتجاه، ويُحلِّقون خارج السرب، ويوهمون غيرهم بأنهم يسيرون على المحجة البيضاء، وفي الواقع هم خلاف ذلك رغبة في كسب حديث الناس؛ فالشهرة بالنسبة لهم غذاؤهم الرئيسي، تجري في دمائهم شياطين الجن والإنس.

كل هذه الظواهر الفردية يجب الإعراض عنها، وعدم إعطائها الأهمية. وينطبق فيهم قصة ذلك الوغد الذي هجا الشاعر المشهور "جرير" فأعرض عنه، فقال ذلك الوغد: ولو هجاني لكنت أشعر الناس!!

من طبيعة بعض البشر حب "المحانكة" ولو على حساب حياته؛ فهذه المشاكسة وتلك المخالفة أودت به في دهاليز الجنايات، وصار من طائفة الصعاليك الذين يهيمون على أنوفهم، و"يتسدحون في البثوث"، ويحاولون جاهدين إيجاد الأثر المزعوم، وهم يعلمون أنهم يمضغون بأسنان غيرهم، ويلعقون المر طيلة حياتهم؛ بسبب نزوة أو شهوة شهرة، مرغت وجوههم في التراب، وداست أرجل البغي على أعناقهم، وأصبحوا مطية لمن لا مطية له حبًّا في الوصول إلى سراب المتابعين، وطمعًا في إثارة الفتن التي لن تكسبهم سوى التندر بهم، وأخذهم تسلية لملء أوقات فراغهم.

صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org