الجوال وإفساد الأطفال!!

لم تعد تربية الأطفال عملية سهلة في عالمنا المعاصر كما كانت في السابق؛ إذ أصبحت تحيط بها الكثير من الصعوبات والعوائق بسبب المتغيرات التي دخلت حياتنا، وباتت جزءًا أساسيًّا من نمط معيشتنا، مثل الانتشار الكبير للأجهزة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي لا يخلو منها أي بيت.. فالطفل يحمل معه العالم كله في جهاز هاتف جوال، يرافقه في أي مكان، ويتفاعل عبره مع شخصيات حقيقية وافتراضية من جميع الدول، بمجرد كبسة زر.

وحتى نكون أكثر واقعية ومصداقية فإن هذا الانفتاح الذي جعل العالم قرية صغيرة -كما يقولون- ليس شرًّا كله، بل إنه يحمل في دواخله الكثير من الإيجابيات والمنافع التي يمكن أن نجني منها فوائد كثيرة إذا استطعنا التعامل معها بالصورة المثلى؛ فهي توفر معلومات وأفكارًا مبتكرة، وتساعد الطلاب على اكتساب لغات جديدة، تُنمي مواهبهم، وتُوسع مداركهم. كما أنها تسهم في زيادة وعي الأطفال بالأحداث الراهنة، وتشجعهم كذلك على زيادة المشاركة الاجتماعية، وتعزيز الشعور بالانتماء، إضافة إلى مساعدتهم على التعاون مع زملائهم في الواجبات والمهام الدراسية.. وغير ذلك.

كل هذا لا خلاف عليه، لكن السؤال الأكثر إلحاحًا هو: هل يستخدم أبناؤنا هذه التقنيات الحديثة لتحقيق تلك الأهداف؟ أم إنها تمثل لهم فقط نافذة للتسلية والدردشة مع المجهولين، وأداة للهروب من الواقع، والتعايش مع شخصيات افتراضية، لا ندري شيئًا عن حقيقتها وأهدافها؟

وللأسف، فإن معظمنا يترك الأطفال فريسة لتلك الأجهزة، ويسمح لهم باستخدامها ساعات طوالاً؛ بما يُعرِّضهم لمخاطر الإصابة بالسمنة، والانعزالية، والتحرش، والإدمان، والقلق، والفشل الدراسي.

ويلجأ كثير من الآباء – من واقع معايشتي الشخصية – لإعطاء أبنائهم هذه الأجهزة هربًا من الإزعاج؛ ليختلوا بأنفسهم فترة من الزمن بعيدًا عن الإزعاج. كما أن بعض الأمهات يقمن بالفعل ذاته لتمضية أوقات هادئة أثناء التسوق في المولات.

والمحزن هو أن بعضهن ينظرن إلى اقتناء أطفالهن الموديلات المتطورة من هذه الأجهزة من باب التباهي الاجتماعي، ومسايرة أبناء العم أو الخالة؛ فكما أن ابن فلان يحمل ذلك النوع من الجوالات فلا بد أن يحمل ابنها الموديل نفسه أو أكثر منه تطورًا، بل إن البعض يتباهى بأنه حتى "شغالتها" تمتلك أحدث الموديلات!!

كذلك فإن التوسع الكبير في توجُّه المدارس والجامعات نحو استخدام الوسائط الذكية في العملية التعليمية يحمل بعض السلبيات، وفي مقدمتها حرمان الطلاب من ممارسة الكتابة اليدوية التي تحولت إلى ما يشبه الطلاسم والرموز غير المفهومة المليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية المخجلة.

بطبيعة الحال لا أقصد هنا الدعوة للوقوف ضد تطور الزمن، أو رفض التعامل مع معطياته؛ فنحن جزءٌ من هذا العالم الواسع؛ نتأثر به ونؤثر فيه، لكن بالتأكيد يمكننا تنظيم استخدام أبنائنا هذه الأجهزة، وأن نكون على معرفة كاملة بالمواقع التي يدخلون إليها، وأن نمارس معهم أسلوب الرقابة الذاتية، وندفعهم لعدم دخول المواقع المشبوهة أو المخلّة، بدلاً من التركيز على أساليب المتابعة والمراقبة التقليدية.

وليس بالضرورة أن يقف الإنسان على طرفَي نقيض، بأن يسمح لأبنائه باستخدام هذه الأجهزة بكامل الحرية، أو يمنعها عنهم بصورة قطعية؛ فهناك مواقف وسطى، يمكن التحرك فيها، مثل الاتفاق معهم على استخدام الأجهزة خلال أوقات محددة، والدخول إلى مواقع معينة، ومعاقبتهم في حال الإخلال بالتزاماتهم.

وأختم بالتركيز على أن أسلوب المواعظ والنصح المباشر لم يعد مفيدًا مع جيل اليوم؛ لذلك فإن الحل الوحيد يتمثل في توفير البدائل المقبولة عن الاستخدام المفرط لتلك الأجهزة، وتشجيعهم على الانخراط في هوايات أخرى، مثل الرسم والتلوين وممارسة الأنشطة الرياضية، واكتساب هواية القراءة.. والأهم من ذلك كله هو إيجاد بيئة منزلية جاذبة عامرة بالحوار والنقاش، وخالية من الأوامر المباشرة. بذلك فقط نكون قد أسهمنا بصورة إيجابية في توفير البدائل، وبذلنا من الجهد ما يمكن أن يقودنا لحُسن أداء أمانة التربية التي كلفنا بها الله تعالى.

Related Stories

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org