ظهور الصين في السنوات الأخيرة كقوة صناعية عظمى واعتبارها ثاني دولة في العالم بعد الولايات المتحدة اقتصاديًا، شجّع العديد من الدول للدخول في شراكات قوية من شأنها نمو وازدهار الاقتصاد بين البلدين، لذلك حرصت المملكة على عقد عدة شراكات من خلال الاتفاقيات التي أبرمت مؤخرًا، والتي تعمل على ارتقاء الشراكة الاقتصادية والعلاقات الثنائية بين البلدين.
إن اتجاه المملكة نحو تقوية العلاقات مع الصين يعد نظرة مستقبلية.
شهدت العلاقات السعودية الصينية تطورًا كبيرًا حتى وصلت في الوقت الحالي إلى أوجها. واليوم حين تستقبل الرياض كأول دولة عربية الرئيس الصيني "شي جين بينغ" بعد تولّيه منصب الرئاسة، دليل على عمق العلاقات وقوتها، وكما قال الرئيس الصيني: يجب أن نكون شريكين يتطلعان لعلاقات مستدامة قائمة على التعاون والاحترام المتبادل فيما بيننا، وتكون هناك ثقة متبادلة.
يجب على البلدين التعامل مع مجمل العلاقات بين الجانبين من الزاوية الاستراتيجية بعيدة المدى، بحيث يعززان تناسق الاستراتيجيات الوطنية للتنمية، ويتبادلان التفاهم والدعم في القضايا التي تخص المصالح الجوهرية والهموم الكبرى للطرفين لتوطيد الثقة السياسية المتبادلة.
وتعدّ المملكة أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا للعام الثالث عشر على التوالي، والمملكة أكبر مزود للنفط الخام إلى الصين التي تعتبر أكبر مستورد للنفط السعودي، والصين هي المقصد الأكبر للاستثمارات الخارجية المباشرة بالنسبة للسعوديين، وما تم الاتفاق عليه من تعهّدات بين البلدين يعمل على دعم المصالح الجوهرية وتحقيق السلام بالمنطقة وحل القضايا الإقليمية لا سيما أن الصين أصبحت قوة لا يستهان بها ولها ثقلها السياسي العالمي.
زيارة الرئيس الصيني لها مؤشرات إيجابية على الجانبين، وتأتي تأكيدًا لعمق العلاقات والمصالح المشتركة التي تربط المملكة بالصين، وكما هو معلوم فإن المصالح الاقتصادية تأتي أولًا في بناء العلاقات بين الدول، ومن ثم التوافقات السياسية، والمملكة والصين تطورت علاقتهما الاقتصادية خلال العشرين سنة الماضية بشكل كبير، وبالتأكيد يتطلعان لعلاقات استراتيجية مستدامة قائمة على احترام الطرف الآخر، بعيدًا عن التدخل في القيم المجتمعية، والسياسات الداخلية للدول.
وتسعى المملكة برؤى مستقبلية لقيادة البلدين في المضي قدمًا بعلاقات نحو آفاق أوسع وأشمل، بما ينعكس عليهما بأثر إيجابي للطرفين.
وتعتبر الصين محط أنظار وانبهار واحترام العالم بمعدلات نموها الاقتصادي ولها أثر قوي على العالم بأسره.
ولدى الجانبين تطلع لتحقيق السلام بالمنطقة وحل القضايا الإقليمية.
إن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ازدادت عمقًا، وتعززت أواصرها وتوطد التعاون الثنائي التكاملي بين البلدين، حيث أصبحت المملكة أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، وبالتأكيد ستنعكس نتائج هذه الشراكة على اقتصاد البلدين؛ للتأكيد من جديد على بوادر نجاح رؤية السعودية 2030 وتوجهاتها الرامية لتحقيق الرفاهية والاستقرار للشعب السعودي.
وعن العلاقات الثقافية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية نجد أنها تتميز بعمق العلاقات بين البلدين وجذورها التاريخية الممتدة لأكثر من ألفي عام، وهذه العلاقات بين الحضارتين العربية والصينية قائمة منذ فجر التاريخ عبر طريق الحرير، وأنتجت مراكزَ للإشعاع الثقافي.
وهناك تعاون على مستوى الجانب الحضاري والثقافي، للانطلاق لآفاق أوسع وهو ما تمثله رؤية السعودية 2030، خاصة وأن المملكة تمثل العمق العربي والإسلامي، لقد قدمت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة لجامعة بكين وجامعة شنغهاي أربع مكتبات متخصصة لتعليم العربية لغير الناطقين بها، وتواصلًا لدعم اللغة العربية صدرت الموافقة على مشاريع ومذكرات تفاهم بين المكتبة والجامعات الصينية، ثم توجت بافتتاح فرع للمكتبة بجامعة بكين؛ من أجل تعميق الشراكة الثقافية والمقومات الإنسانية بين البلدين، وضمت 3 ملايين كتاب، كما ضمت مركزًا للدراسات العربية، ومركزًا للمخطوطات، وسعت إلى تأسيس فعاليات ثقافية مشتركة بين البلدين، وهنالك توجيهات سامية تتطور بشكل كبير في إطار التعاون الثقافي ومن خلال اهتمام وزارة الثقافة؛ حيث نرى مشاريع قادمة تلقى كل الدعم والرعاية.
إن العلاقات بين البلدين والتي تمتد لأكثر من ألفي عام بنت جسورًا راسخة بين الجزيرة العربية والصين عبر التجارة وتقريب الحضارتين العريقتين، وهو ما يمثل شريانًا حيويًا للثقافة، وهذا يتم اليوم عبر طريقين؛ هما: رؤية المملكة 2030، ومبادرة الصين: "الحزام والطريق"، وما ستُحدثانه من أثر كبير على قارتنا والعالم أجمع.